انفراد بالسلطة وإقالات دون تعيينات.. لماذا لا يثق قيس سعيد بمن حوله؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أنهت الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد أسبوعها الرابع والأخير، وفق ما حدده الفصل (80) من دستور البلاد، دون أن يعلن سعيد أي إجراءات أو خطوات لإنقاذ البلاد من حالة الفشل الاقتصادي والجمود السياسي.

الرئيس التونسي، دائم الحديث عن الالتزام بهذا الفصل من الدستور، لدرجة أن أطرافا سياسية وناشطين حقوقيين شككوا في مدى التزامه بما يدعي، واتهموه بالانقلاب على الدستور، والسطو على سلطات البلاد التنفيذية والتشريعية والقضائية.

على الجانب الآخر، ومع نهاية أغسطس/ آب 2021، ينتظر مؤيدو سعيد؛ تنفيذ جملة الإصلاحات على المستوى التشريعي بعد تعطيله للبرلمان لأجل غير مسمى، وحيازته للمهمة التشريعية منفردا عبر مراسيم.

كما ينتظر مؤيدوه اتخاذ إجراءات أخرى على مستوى الحوكمة، وإدارة الدولة، ومكافحة الفساد. 

إلا أن الرئيس المنتخب نهاية 2019، لم يحقق لمؤيديه ما وعدهم به، وقرر تمديد قرار تعليق أعمال البرلمان "حتى إشعار آخر"، وفق ما أعلنته الرئاسة مساء 23 أغسطس/ آب 2021.

ولم يفصح على الجانب الآخر عن "خارطة طريق" لإخراج البلاد من أزماتها كما وعد، ولم يقدم على تعيين رئيس جديد للحكومة، خلفا للرئيس المقال هشام المشيشي. 

على أرض الواقع تسود حالة من الفراغ في مؤسسات رسمية عديدة، بعد إقالة كثير من الوزراء والمستشارين بالحكومة، ومديرين عامين، وولاة (محافظين)، لم يعوض سوى واحد منهم فقط بأحد طلبته وأصدقائه المقربين. 

ذلك يؤشر وفق محللين تونسيين على تدني مستوى ثقة قيس سعيد في المحيطين به، وهو ما أكدته سابقا جملة الإقالات والاستقالات في قصر قرطاج، والصراع السابق مع رئيس الحكومة الذي اختاره بنفسه وكان مستشارا له. 

دولة الفراغ

لا جديد في تونس منذ مساء 25 يوليو/ تموز 2021، سوى أنباء الإقالات والتجميد وأحكام غير قضائية بتحجير السفر أو الإقامة الجبرية، إثر قرار سعيد بإقالة رئيس الحكومة وتمديد تجميد عمل البرلمان. 

إقالة هشام المشيشي، 25 يوليو، تبعها قرار مماثل من سعيد بإقالة وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، ووزير المالية علي الكعلي، ووزير الفلاحة بالإنابة محمد الفاضل كريم.

وسارع رئيس الجمهورية إلى إقالة 4 ولاة من مناصبهم، ومباشرة بعد تعيين مكلف بتسيير وزارة  الداخلية أقال المدير العام للمصالح المختصة (مخابرات) لزهر لونغو.

وأقال سعيد أيضا سفير تونس في واشنطن نجم الدين الأكحل، ومدير القضاء العسكري العميد القاضي، توفيق العيوني، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة عبد الرزاق الكيلاني. 

هذه الإقالات لم يعين مكانها مسؤولين جددا، بل قام سعيد بإقفال مقر رئاسة الحكومة في "القصبة" وتطويقه بعناصر من الجيش الوطني، ومنع الموظفين في رئاسة الحكومة من مزاولة مهامهم. 

غياب الثقة

ووسط الحديث عن إقالات سعيد للمسؤولين وعدم تعيين آخرين، يجدر الإشارة إلى نقاط عديدة تؤكد عدم ثقة سعيد فيمن حوله.

16 يوليو/ تموز 2020، كلف الرئيس التونسي، وزير الداخلية حينها هشام المشيشي، بتشكيل الحكومة الجديدة، خلفا لرئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ.

حينها تحدثت التقارير الصحفية عن أن المشيشي شخصية مستقلة لا تنتمي إلى أي أحزاب، ولم ترشحه قوى سياسية ضمن الترشيحات التي طلبها سعيد للمنصب.

لكن كان الأهم هو التأكيد على أنه مقرب من رئيس الدولة وبالتحديد من مديرة ديوانه نادية عكاشة.

المشيشي، المولود يناير/ كانون الثاني 1974، تربطبه بسعيد علاقة أخرى إذ حصل على الأستاذية في ذات الكلية التي درس ودرّس فيها سعيد "الحقوق والعلوم السياسية" في تونس.

لكن، بداية العمل بقرب سعيد، كان حينما شغل المشيشي منصب المستشار للشؤون القانونية في قصر قرطاج، قبل أن يرشحه سعيد لمنصب وزير الداخلية في حكومة، إلياس الفخفاخ.

لم يدم الود طويلا بين سعيد والمشيشي، فقبل أن تعرض حكومته على نيل الثقة من البرلمان سعى رئيس الجمهورية للإطاحة بها.

سعيد اعتبر أن المشيشي خان الأمانة التي منحها له، وقام بلقاءات لعقد صفقة سياسية مع حزبي "النهضة"، و"قلب تونس". 

تلك القطيعة استمرت لأشهر، وخلقت أزمة سياسية هي الأسوأ منذ 2011، إذ رفض سعيد قبول تعديل وزاري لـ11 وزيرا في حكومة المشيشي، ما سبب شللا في قمة مؤسسات الدولة، فاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، حتى انتهى الأمر إلى قرار الإقالة.

إقالة المشيشي ليست الأولى بصفوف المقربين من سعيد، فبعد 100 يوم من دخوله قصر قرطاج، شرع في إعادة هيكلة ديوانه، واستبعاد مستشارين مقربين لازموه كظله في أيامه الأولى من الحكم.

وبالفعل أقال المستشار السياسي عبدالرؤوف بالطبيب، ومستشار البروتوكول والدبلوماسية طارق الحناشي، ومدير مكتبه طارق بالطيب.

ولم يفصح سعيد عن سبب استغنائه عن أقرب مستشاريه، عبدالرؤوف بالطبيب، كما أن الأخير رفض الحديث عن أسباب إقالته، مؤكدا أن علاقة الصداقة والعشرة تمنعه من الكشف عن الأسباب.

وفي واقعة ثالثة، أعلنت رئاسة الجمهورية مطلع سبتمبر/ أيلول 2020، عن استقالة الملحق بالرئاسة هالة الحبيب، دون أن توضح صاحبة الاستقالة، دواعي ذلك.

لكن، تلتها سريعا استقالة المستشارة الإعلامية في قصر قرطاج والناطقة الرسمية باسم الرئاسة رشيدة النيفر. 

وأوضحت النيفر، في مداخلة لها بإذاعة "شمس أف أم"، 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن استقالتها تعود لخلاف حول طريقة العمل داخل الديوان الرئاسي. 

المهمة الصعبة

ومع اقتراب نهاية المهلة الممنوحة بحكم الدستور في 25 أغسطس/ آب 2021، لم يعلن رئيس الجمهورية عن اسم رئيس الحكومة الجديد، وبقي هو من يدير شؤون البلاد.

توقع مراقبون أن يعلن سعيد عن خطته الشاملة للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، يوم  13 أغسطس/ آب 2021، تزامنا مع العيد الـ65 للمرأة التونسية، لكن هذا لم يحدث.

ورغم ذلك قال سعيد، أثناء زيارته لمطار تونس قرطاج الدولي، 16 أغسطس/ آب 2021: إن "الحكومة ستتشكل قريبا وفق نظام سياسي يعبر عن إرادة الشعب التونسي، ومن يظن أنني سأعود إلى الوراء أو أنظم حوارا فهو واهم".

كما أن الضغوط الدولية لم تؤت ثمارها، إذ أكد بيان من الرئاسة الفرنسية 7 أغسطس/ آب 2021، إثر اتصال بين الرئيس التونسي والرئيس إيمانويل ماكرون، أن سعيد "تعهد بتقديم خارطة طريق للمرحلة المقبلة وبأسرع وقت". 

في نفس السياق، التقى مساعد مستشار الأمن القومي جوناثان فاينر بالرئيس التونسي 13 أغسطس/ آب 2021، وبحث معه "حاجة تونس الملحة لتعيين رئيس وزراء وتكليفه بتشكيل حكومة قادرة"، وفق بيان البيت الأبيض.

لكن تلك الضغوط الدولية لم تدفع سعيد للتعجيل باختيار رئيس جديد للحكومة، وحتى الدعوات الداخلية من أحزاب ومنظمات دفعته فقط للرد عليها بخطاب شديد اللهجة.

ويعتبر المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم، اختيار رئيس الحكومة مهمة لن تكون سهلة هذه المرة بعد تجربتي رئيسي الحكومة السابقين إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي.

ويوضح لـ"الاستقلال"، أن رئيس الجمهورية اختارهما بنفسه بعد فشل حكومة الحبيب الجملي مرشح حركة "النهضة" للحصول على ثقة البرلمان.

ويضيف: "يريد سعيد رئيس حكومة مضمونا ولاؤه التام، لكن المشكلة بين دائرة الرئيس لم تستقر على رأي موحد، وبين الخارج الذي يريد شخصية ذات خلفية اقتصادية بسبب الأزمة الاقتصادية، واستجابة لشروط المانحين". 

وفي إجابته عن سؤال بشأن السيناريوهات المحتملة حول تأجيل تكليف رئيس جديد للحكومة، يرى سالم أنه "من الصعب جدا التأجيل بسبب الضغوطات المالية، والتزامات تونس مع صندوق النقد الدولي، والجهات المانحة " 

تونس سددت مليار دولار من ديونها الخارجية صيف 2021 من احتياطيات العملات الأجنبية، ويتعين تدبير خمسة مليارات دولار أخرى لتمويل عجز الموازنة المتوقع، وسداد فوائد الديون، وأجور الموظفين.

هذا التأخير والتردد يدخل البلاد في وضع ضبابي، يضاعف من تخوفات تفاقم الأزمة الاقتصادية، ويقطع أي أمل باستعادة الوضع الديمقراطي، مع غياب المبادرات الجدية من الأحزاب والمنظمات الوطنية.