حكومة فرنسا في مأزق.. بسلاحها يستهدف "التحالف" المدنيين باليمن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كشف تقرير استقصائي لصحيفة "ديسكلوز" الفرنسية، عن بيع فرنسا أسلحة للسعودية والإمارات استخدمت ضد مدنيين باليمن، معتمدا على تقرير سري للمخابرات الفرنسية، أكد أن نحو 48 مدفعا من نوع "سيزار" الفرنسي  استُخدم على طول الحدود السعودية اليمنية، وأن 486 ألف مدني يقعون تحت تهديد تلك المدافع.

وأشار التقرير إلى أن بواخر حربية فرنسية شاركت في الحصار البحري الذي حال دون حصول المدنيين على المواد التي يحتاجونها، إضافة إلى مشاركة دبابات "لوكلير" الفرنسية في قلب معركة الحديدة، في نوفمبر/تشرين الأول 2018، وانتشارها في قواعد تشمل المخا وعدن والخوخة على طول الساحل إضافة إلى مدينة مأرب، و تحليق طائرات من نوع "ميراج 2000-9" الفرنسية في سماء اليمن، وكلها، بحسب التقرير، استخدمتها الرياض وأبو ظبي في حربها على اليمن.

وأضاف موقع "ديسكلوز"، أن "دراسته لصور الأقمار الصناعية وتسجيلات مصورة، إضافة إلى صور التقطها مدنيون كشفت أن بعض الدبابات من طراز ليكرليك التي اشترتها الإمارات شاركت في عمليات هجومية للتحالف بما في ذلك المعركة التي خاضتها الإمارات في محافظة الحديدة".


دعوات للمقاضاة

أحدث التقرير ضجة في فرنسا، فقد فتح القضاء الفرنسي على إثر ذلك تحقيقا بعد تلقيه شكوى من وزارة الدفاع، ضد الصحفيَين العاملين في صحيفة "ديسكلوز" اللذيَن كشفا عن هذا التقرير، وأحدث إرباكا للمسؤولين العسكريين عن هذا الملف.

وفي أول رد فعل رسمي، نفت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي في 18 أبريل/ نيسان الماضي، في حديثها لراديو "كلاسيك"، أن تكون الأسلحة التي باعتها فرنسا للسعودية والإمارات قد استخدمت شكل هجومي للحرب في اليمن، وبالتالي فإنها لم تتسبب بسقوط ضحايا مدنيين، وأنه لا إثبات على ما ذهبت إليه الصحيفة.

وكانت الوزيرة فلورنس، قد صرحت في يناير/كانون الثاني الماضي، أنه ليس لديها علم باستخدام أسلحة فرنسية في الحرب باليمن، وهو الأمر الذي كذبته صحيفة ديسكلوز في تقريرها الماضي، ما وضع مصداقية الوزيرة على المحك، وشكل لها، فيما يبدو، إحراجا بالغا، ما حدا بالبرلمان الفرنسي إلى دعوة الوزيرة للمثول أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان في 7 من مايو/ أيار الجاري. 

وكانت الحكومة الفرنسية، قد أكدت في رسالة مكتوبة في 15 من أبريل/نيسان الماضي، أن "الأسلحة الفرنسية المملوكة لأعضاء من التحالف موضوعة، على حد علمها، في مواقع دفاعية خارج الأراضي اليمنية أو في مواقع تابعة للتحالف، ولكن ليس على خط الجبهة". وأضافت رئاسة الحكومة الفرنسية، أنه ليس لديها علم بسقوط ضحايا مدنيين جراء استخدام هذه الأسلحة على مسرح الأحداث في اليمن" 

تطابق النتائج

على الرغم من نفي وزيرة الدفاع الفرنسي، مشاركة أسلحة فرنسية في الهجوم على اليمن، إلا أن مركز النزاع المسلح "أكليد" وهي منظمة أمريكية تعنى بجمع بيانات العنف والحروب في جميع أنحاء العالم، قد أكدت تطابق بيانات بحوثاتها مع ما ذكره تقرير ديسكلوز حول استخدام أسلحة فرنسية في حرب اليمن، فقد كشفت المنظمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن دبابات فرنسية شاركت في قلب معركة الحديدة وتسببت بمقتل 55 مدنيا.

وتساءل الصحفي والكاتب اليمني خالد الغرابي في حديثه لقناة "فرانس 24": "على أي أساس استندت وزيرة الدفاع الفرنسية في تصريحها بأن الأسلحة الفرنسية لم تقتل مدنيين، وأنه يصعب تصور أنها لم تقتل مدنيين، خصوصا مع الحصيلة الثقيلة من المدنيين الذين سقطوا في الحرب؟ ولماذا ترفض الحكومة الفرنسية أن يكون هناك لجنة تحقيق برلمانية؟.

وأضاف الغرابي، أن "هناك تقريرا سنويا يقدم للبرلمان بحجم مبيعات الأسلحة التي تم بيعها"، مؤكدا أن "التقرير السنوي يوضح حجم المبيعات لكنه لا يفصح عن الجهة التي بيع الأسلحة لها".

انتهاك للمعاهدات

يعد بيع السلاح الذي يستخدم ضد مدنيين انتهاكا للالتزامات الدولية بما في ذلك الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي  و"معاهدة تجارة الأسلحة التقليدية"، التي تنص في بندها السادس على عدم نقل أسلحة يتم استخدامها  ضد مدنيين، أو إلى منتهكي حقوق الإنسان.

ويغطي نص المعاهدة -التي تعد الأولى منذ معاهدة الحظر الشامل على التجارب النووية 1996- مختلف أنواع الأسلحة التقليدية، وهي "دبابات القتال، ومركبات القتال المدرعة، ومنظومات المدفعية من العيار الكبير، والطائرات المقاتلة، والمروحيات الهجومية، والسفن الحربية، والقذائف وأجهزة إطلاق القذائف، والأسلحة الصغيرة، والأسلحة الخفيفة"، وهي ذات الأسلحة التي ذكر تقرير "ديسكلوز" أن الحكومة الفرنسية قامت ببيعه للرياض وأبو ظبي.

وخلافا لكثير من حلفائها، لا تخضع إجراءات ترخيص صادرات الأسلحة في فرنسا، ثالث أكبر مصدر للعتاد في العالم، للفحص أو لضوابط برلمانية، بل تعتمد من خلال لجنة يرأسها رئيس الوزراء. وكانت عدة دول أوروبية، بينها ألمانيا، قد أوقفت علاقاتها مع التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، مع استمرار تدفق السلاح من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة للسعودية والإمارات.

مطالبات بوقف البيع

احتجت أربع منظمات إنسانية غير حكومية هي: "أوكسفام فرنسا، أطباء العالم، كير، وتحرك ضد الجوع"، ضد استمرار بيع أسلحة فرنسية للسعودية والإمارات، وعرضت نحو 10 دقائق، رسائل احتجاج مكتوبة على مبنى البرلمان الفرنسي بأحرف ضوئية عملاقة صادرة من أجهزة عرض إلكترونية.

وجاء في الرسائل: "أربع سنوات من الحرب في اليمن ـ مقتل آلاف المدنيين ـ في فرنسا، بيع الأسلحة يؤمّن مبالغ طائلةـ وفي اليمن التكلفة باهظة"، والهدف من ذلك بحسب بيان مشترك للمنظمات، هو وضع فرنسا أمام مسؤوليتها تجاه الحرب في اليمن، وحث البرلمان الفرنسي على القيام بدوره في الإشراف على التحرك الحكومي، لضمان عدم تورط فرنسا في جرائم حرب باليمن، أو تغذيتها لحرب من خلال بيعها لأسلحة للسعودية التي تقع في المركز الثاني من قائمة عملائها ، والإمارات التي تقع في المركز السادس في قائمة العملاء.

وكانت منظمات حقوقية بينها هيومن "رايتس ووتش" و "العفو الدولية"، قد أصدرت بيانا مشتركا قالت فيه: "أنها المرة الأولى التي يؤكد فيها مصدر رسمي، الاستخبارات العسكرية الفرنسية، ما كانت تشير إليه المنظمات غير الحكومية منذ أشهر، وهو أن المعدات العسكرية الفرنسية التي اشترتها السعودية والإمارات منخرطة في حرب اليمن مع مخاطر عالية لاستخدامها في هجمات غير شرعية على مدنيين".

وعلقت مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" في فرنسا بينيديكت جانيرو عبر تويتر قائلة "لا يمكن للحكومة الاستمرار في إنكار تواطأها في جرائم حرب"، داعية فرنسا إلى "وقف مبيعاتها إلى بلدان التحالف السعودي الإماراتي والتعامل بشفافية كاملة.

تغذية الحرب 

أسهم بيع الأسلحة للسعودية والإمارات بتغذية الحرب وإطالة أمدها في اليمن، وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد قال في مقابلة له مع الإعلامي داوود الشريان على قناة "الإخبارية" السعودية، أنه يستطيع إنهاء الحرب واجتثاث الحوثي وصالح في أيام قليلة، لكنه، بحسب قوله، يخشى الضريبة الكبرى للقوات السعودية، حيث سيفقد عدد كبير من الجنود السعوديين أرواحهم.

غير أن ولي العهد ربما لم يفكر بالحصيلة التي سيدفعها اليمنيون من أرواحهم، وكان تقرير حديث للأمم المتحدة قد كشف في أبريل/نيسان الماضي، أن الحرب في اليمن تسببت بمصرع 250 ألف شخص، سواء بسبب العنف بشكل مباشر، أو بسبب الأزمة الإنسانية وانعدام الغذاء، إضافة إلى تراجع اليمن بمقدار عشرين عاما في معدل التنمية. 

 إقرأ أيضا :  أربع سنوات على انطلاق “عاصفة الحزم”.. ما الذي تحقق؟

وعلى افتراض صحة تلك المخاوف، فإن تقارير صحفية كشفت، أن السعودية والإمارات استخدمتا الحوثي كورقة  للتغطية بها عن أهداف تتعلق بتوسيع النفوذ في اليمن، ففي تقرير مطول لصحيفة "إيكونوميست" يشير فيه إلى أن  السعودية لم تكن تريد إنهاء الحرب في اليمن، بل كان لها أطماع في توسيع النفوذ، و الحصول على ممر إلى بحر العرب، بينما عملت الإمارات على السيطرة على الموانئ التي تمر بها أكثر الخطوط الملاحية نشاطا في العالم لصالح ميناء جبل علي.

يعزز هذا التفسير تقرير أممي، صدر في فبراير/شباط الماضي، لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة والمعني باليمن، حصلت "الاستقلال" على نسخة منه، يقول فيه: "لا يزال انعدام وجود مصالح مشتركة داخل التحالف ضد الحوثيين يفاقم تقسيم البلد، ويجعل من استعادة سلطة الحكومة على جميع ارجاء اليمن بعيد المنال".