موجة جديدة.. كيف تواجه أوروبا الهجرة المحتملة من أفغانستان؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

كشفت مجلة "التايم" الأميركية عن انقسام دول الاتحاد الأوروبي بشأن الطريقة الأمثل للتعامل مع موجة هجرة متوقعة من أفغانستان على خلفية الانسحاب الأميركي منها.

المجلة الأميركية نقلت عن مواطنين أفغان تصوراتهم لمرحلة ما قبل وما بعد الاحتلال الأميركي للبلاد الذي استمر 20 عاما، ولا سيما مع الحديث عن موجات هجرة محتملة من أفغانستان نحو دول الاتحاد الأوروبي.

سياسات عدائية

المجلة التقت الأفغاني رشاد جلالي، الذي كان في التاسعة من عمره عندما احتلت الولايات المتحدة بلاده عام 2001، ويتذكر بوضوح "صوت المطربين الأفغان في الراديو لأول مرة، وابتهاج أحد أقاربه بحلق لحيته، وتضخم التفاؤل في كل مكان".

ونقلت المجلة عن جلالي، قوله: "قلنا (حينها) إننا انتهينا من طالبان، ويبدأ الآن فصل آخر في التاريخ الأفغاني".

ولكن بعد تلك البهجة الأولية جاءت سلسلة من خيبات الأمل في كل من عملية بناء الدولة والحكومات الأفغانية الفاسدة، فهربت عائلة جلالي أخيرا إلى أوروبا في عام 2006.

والآن يشاهد جلالي طالبان تعود إلى شوارع موطنه بينما يبدو أن الكثيرين في القارة الأوروبية قلقون أكثر من احتمال حدوث أزمة لاجئين أخرى، ولا يشغلهم مصير الشعب الأفغاني، حسب المجلة.

يعيش جلالي الآن في بروكسل ويعمل كمسؤول سياسات في المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين، وهو مجموعة من المنظمات غير الحكومية.

وفي حديث للمجلة يقول جلالي: "بصفتي أفغانيا يعيش في أوروبا، أشعر بالصدمة مما سمعته.. كنت أتوقع أن يتضامن الاتحاد الأوروبي مع شعب أفغانستان بدلا من التركيز على موضوع الهجرة الضيق".

الاتحاد الأوروبي له نصيب كبير في ماضي ومستقبل أفغانستان، فالدول الأعضاء فيه هي أيضا عضوة في حلف (شمال الأطلسي) الناتو، سبق لها أن قدمت معا 4 مليارات يورو كمساعدات إنمائية إلى البلاد.

لكن رد فعل قادتها الآن على احتمالية زيادة أعداد اللاجئين الأفغان سيكون اختبارا رئيسا لكيفية استيعاب الكتلة لدروس عام 2015، عندما أشعلت الحرب الأهلية السورية موجة نزوح دفعت أكثر من مليون شخص إلى أوروبا.

وحتى الآن، تأرجح الرد الأوروبي بين التعاطف مع مصير الأفغان العاديين المحاصرين تحت حكم طالبان، والخوف من العواقب المحتملة في الداخل.

وتجسد ذلك في خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 16 أغسطس/آب 2021، عندما تحدث عن الحاجة إلى "حماية أولئك الذين هم في خطر أكبر" و"حماية أنفسنا من تدفقات الهجرة الكبيرة".

وبحسب المجلة، فقد جرى تحديد "النغمة" في وقت سابق من أغسطس/آب 2021، عندما أرسلت هولندا وألمانيا وبلجيكا والنمسا والدنمارك واليونان خطابا إلى الاتحاد الأوروبي حثت فيه الهيئة التنفيذية على مواصلة ترحيل الأفغان الذين رفضت طلبات لجوئهم، بحجة وقف عمليات الطرد.

وتسببت الرسالة التي تزامنت مع زحف حركة طالبان إلى كابول بغضب، ودفعت بعض الموقعين إلى التراجع. لكن ذلك لم يكن سوى انعكاسا للسياسات العدائية المتزايدة المعمول بها منذ عام 2015، عندما تسبب سوء إدارة أوروبا للأزمة في زيادة الدعم للأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية.

وأثار هذا النهج الجديد الذي تحركه الهواجس الأمنية، اتهامات لبعثات يدعمها الاتحاد الأوروبي بإعادة الأشخاص إلى أوضاع تهدد حياتهم في ليبيا ودفع القوارب التي وصلت المياه اليونانية بعيدا بشكل غير قانوني.

وتحمل الأفغان الذين وصلوا إلى أوروبا وطأة هذه السياسات القاسية، حيث اعتبر القادة الأوروبيون أنه يمكن إعادة الأفغان دون الكثير من الضجيج، وفقا للمجلة الأميركية.

وبين عامي 2015 و2016، زاد عدد الأشخاص الذين عادوا من دول الاتحاد الاوروبي إلى البلد الذي مزقه الحرب. وتضاعف العدد ثلاث مرات إلى نحو 10 آلاف شخص. وفي بعض الحالات قتل الأشخاص الذين أعيدوا قسرا إلى أفغانستان في غضون أشهر من وصولهم.

ومن خلال هذا المنظور، تجري مناقشة سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان بمعظم أنحاء أوروبا، مع جدل حاد حول احتمال حدوث أزمة لاجئين أخرى.

وفي هذا السياق زعم الدبلوماسي البرتغالي السابق برونو ماكيس، الذي كتب في مجلة "بوليتيكو" أن موجة أخرى من اللاجئين "تبدو الآن حتمية"، نقلا عن دبلوماسيين أفغان قالوا له: "لا شيء يمكن أن يوقفهم - ولا حتى الدبابات".

إنعاش الشعبوية

لكن كاميل لو كوز، محللة السياسات في مركز أبحاث الهجرة "MPI Europe"، تقول: إنه حتى الآن لا يوجد دليل يذكر على مثل هذا التدفق.

وتشير إلى وجود اختلافات جوهرية بين الأوضاع في سوريا وأفغانستان - ليس أقلها المسافة الجغرافية الأكبر بكثير التي يتعين على الشخص قطعها للوصول إلى أوروبا من أفغانستان، حسبما نقلت "التايم" الأميركية.

وحذرت المحللة لو كوز من أن "مثل هذا التخويف يمكن أن يصب في مصلحة الشعبويين، وكذلك الحكومات الاستبدادية الحريصة على استغلال خوف أوروبا من اللاجئين".

وكان الاتحاد الأوروبي قد طلب من العراق مؤخرا وقف رحلاتها الجوية إلى بيلاروسيا، وسط أدلة على أن زعيمها، ألكسندر لوكاشينكو، كان يستقبل العراقيين في عاصمة بلاده ثم ينقلهم بالحافلات إلى الحدود مع ليتوانيا ردا على عقوبات الاتحاد الأوروبي ضده.

وحذت بيلاروسيا حذو ليبيا والمغرب وروسيا وتركيا، التي استغلت جميعا قضية الهجرة لممارسة نفوذها أو معاقبة الاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء فيها، فقالت لو كوز للمجلة: "جميع البلدان المجاورة للاتحاد الأوروبي تعرف أن قضية اللاجئين نقطة ضعف أوروبا لذا فهذه طريقة سهلة لممارسة الضغط عليها".

ويبدو أن التاريخ مهيأ لتكرار نفسه مع الوضع في أفغانستان. فتركيا، التي حصلت على تمويل ودعم من الاتحاد الأوروبي لمنع المهاجرين من التوجه إلى اليونان، تؤكد أنها تستقبل بشكل متزايد الأفغان الذين يعبرون حدودها مع إيران. وتصر على أنها لن تتحمل عبء إسكانهم.

وتقول لو كوز: إنه "يجب التعامل مع التصريحات التركية بشأن الوافدين الجدد بحذر، وإجراء مناقشات أكثر بين دول الاتحاد الأوروبي وإيران وباكستان، اللتين تستضيفان بالفعل 2.6 مليون لاجئ أفغاني وستتحملان عبء هجرة جماعية جديدة طويلة الأمد".

وكان أحد دوافع موجة الهجرة إلى أوروبا في عام 2015 هو عدم دعم اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وتركيا، وهو الوضع الذي اعترفت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخرا، مؤكدة أنه "يجب ألا نكرر خطأ الماضي".

لكن وفي حين كان للأردن ولبنان علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، تشير لو كوز إلى أن "العلاقة مع باكستان وإيران أكثر تعقيدا بكثير".

ولا تزال طهران تخضع لعقوبات اقتصادية شديدة من الاتحاد الأوروبي، في حين أن تقارب باكستان المتزايد مع الصين أدى إلى توتر العلاقات مع الدول الغربية.

 وعلى الرغم من التعهدات الأوروبية، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي لا تزال منقسمة كما كانت دائما حول قضية الهجرة، وقد فشلت في الاتفاق على إستراتيجية جديدة لإعادة توزيع أي تدفقات جديدة من الناس على الرغم من ست سنوات من النقاش.

وفي هذا السياق يقول رشاد جلالي للمجلة الأميركية: "كان يجب أن نتعلم من الأزمة الماضية وأن نتحرك للرد بسرعة على الوضع الآن".

وفيما يرى جلالي دعم النازحين في أفغانستان والمنطقة المحيطة بها، لكنه يشدد على ضرورة اتخاذ تدابير يمكن تنفيذها على الفور داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الموافقة على جميع قرارات اللجوء المعلقة للأفغان، وتسريع لم شمل العائلات، وخلق المزيد من مسارات إعادة التوطين.

ويتابع جلالي: "يجب اتخاذ كل هذه التدابير لأنها الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وليس من منطلق المصلحة الذاتية.. يجب أن ينصب التركيز الفوري على كيفية إنقاذ الأرواح، وكيفية توفير الحماية، وكيفية منع حدوث أزمة إنسانية أخرى، وليس أزمة هجرة أخرى".