صحيفة الاستقلال |
الشعب يريد |
||
تقارب تركي جزائري.. لماذا انزعج الاتحاد الأوروبي وقلقت الإمارات؟ |
|||
2021/01/06|
|
تقارير
|
|||
![]() بقدر ما يحمل التقارب من فرص لتعميق العلاقات الإستراتيجية فإنه يزيد من حدة الضغوط الخارجية والداخلية على الجزائر
| |||
العلاقات بين تركيا والجزائر تشهد مؤخرا تطورا وتقدما في ظل سعي البلدين لتعزيز سبل التعاون الاقتصادي والاستثماري والتعليمي والثقافي، إلى جانب عدد من المجالات الأخرى. وبقدر ما يحمل هذا التقارب من فرص لتعميق العلاقات الإستراتيجية ما بين الطرفين وإمكانات لتشكيل محور استقرار وتنمية في المنطقة، فإنه سيزيد من دون شك من حدة الضغوطات الخارجية والداخلية على الجزائر، وفق مراقبين. البعض يرى أنه من الممكن أن تتعرض الجزائر لمزيد من عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة لمعارضة ومقاومة اللوبيات الاقتصادية والثقافية المرتبطة بفرنسا وأوروبا وحتى ببعض الأطراف الخليجية. علاقات قويةوزير الخارجية التركي "مولود تشاويش أوغلو"، أكد أن بلاده لها علاقات قوية مع الجزائر، وأن تركيا تريد دوراً أكبر للجزائر في حل الأزمة الليبية إلى جانب دول الجوار في شمال إفريقيا. وقال في مقابلة نشرتها مجلة "جون أفريك" الفرنسية، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020، إن "بلاده لها علاقات قوية مع الجزائر وتونس والمغرب، وأن أنقرة أكدت دائماً على ضرورة أن تلعب هذه الدول دوراً مهماً في الأزمة الليبية". تصريح "تشاويش أوغلو" جاء بعد أيام من اتصال هاتفي دار بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والجزائري عبد المجيد تبون، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، بحث فيه الطرفان سبل تطوير العلاقات الثنائية إلى جانب عدد من القضايا الإقليمية. "أردوغان" تابع كلمة "تبون" التي وجهها لشعبه، في 13 من ديسمبر/كانون الأول 2020. من ألمانيا، حيث كان يتلقى العلاج، وعبّر عن "استعداد تركيا لمرافقة الجزائر في مشروع بناء الجزائر الجديدة". تكتل شركاتالجزائر اقترحت على تركيا إنشاء تكتل شركات مختلطة لدخول أسواق دولية، وذلك بالتزامن مع بداية التحضيرات لإطلاق منطقة تبادل تجاري حرة إفريقية، في يناير/كانون الثاني 2020، كما جرى الحديث عن تنظيم لقاءات بين رجال أعمال البلدين، لبحث فرص شراكة جديدة بعد "جائحة كورونا". صحيفة "الشروق" الجزائرية، عنونت تقريرا لها في بداية ديسمبر/كانون الأول 2020، بـ"الجزائر تبحث عن شركاء بعيدا عن فرنسا"، قالت فيه: إن وزير الشؤون الخارجية، صبري بوقادوم، كشف عن بعض الدول الأوروبية التي تتفهم المطالب الجزائرية بمراجعة بعض بنود اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي. وكان لافتا في ذلك، غياب فرنسا، التي كانت إلى وقت قريب تربطها بالجزائر "شراكة استثنائية"، وفق تعبير الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند. يتزامن ذلك مع أزمة مركبة تعيشها الجزائر في 2020، ارتبطت بانتشار "فيروس كورونا" وتبعاتها الاقتصادية محليا ودوليا، إلى جانب انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية، بشكل خنق اقتصاد البلاد. ويرى الأستاذ بقسم العلوم السياسية "جامعة عنابة" بالجزائر "مراد بن قيطة"، أن العلاقات التركية – الجزائرية تستند على تقاطعات قيمية ومصلحية يمكن أن تنتج نموذجا لشراكة إستراتيجية شاملة ومستدامة. وتحمل العلاقات الثنائية ما بين البلدين عوائد إستراتيجية مشتركة، وخاصة للطرف الجزائري الذي يمكنه تحقيق مكاسب متنوعة من هذه العلاقة، أبرزها: الاستفادة من الاستثمارات ورؤوس الأموال التركية غير المرتبطة بأية مشروطية سياسية، خاصة في ظل انخفاض عوائد المحروقات وبحث الجزائر عن مصادر تمويلية جديدة لتحفيز نموها الاقتصادي. وزاد "بن قيطة" في حديثه إلى "الاستقلال": "بالإضافة إلى تحقيق وثبة تنموية من خلال الاستفادة من التجربة التنموية التركية، خاصة في مجال الصناعات التحويلية والإنشاءات الكبرى والفلاحة وباقي القطاعات الأخرى". واعتبر "خبير العلاقات الدولة"، أن تعميق الشراكة التجارية مع تركيا يمكن أن يكرس لدور الجزائر كبوابة تجارية لإفريقيا ويمنح البضائع التركية القدرة على ولوج الأسواق الإفريقية بسهولة وبكلفة أقل خاصة في حالة تجسيد مشروع ميناء الحمدانية بشرشال بولاية "تيبازة"، الذي يمكن للجزائر أن تتحول من خلاله إلى ممر عبور تجاري حيوي لكامل القارة الإفريقية. وذهب المتحدث إلى القول: إن "الصناعة العسكرية الجزائرية ستحقق استفادة من الوثبة التكنولوجية المعتبرة في مجال التصنيع العسكري التي حققتها تركيا خاصة في مجال تصنيع الدرونات الحربية المتطورة". الملف الليبيعلى المستوى الإقليمي، يرى الدكتور "عصام عبد الشافي"، أستاذ العلوم السياسية، ورئيس أكاديمية العلاقات الدولية، أن العلاقات التركية ـ الجزائرية شديدة الأهمية، وتنبع أهميتها من العديد من الاعتبارات، أولها اعتبارات نابعة بتركيا ومكانتها الإقليمية التي تنامت خلال السنوات العشر الأخيرة بدرجة كبيرة. مضيفا: "أيضا توجهات تركيا الإستراتيجية، ليس فقط في حوض المتوسط، والشرق الأوسط، لكن أيضاً في القارة الإفريقية، وهي دوائر ثلاث تتقاطع فيها مع الجزائر، التي تشكل أكبر دول إفريقيا مساحة، وتتمتع بمكانة إستراتيجية في الشمال والغرب الإفريقي، بجانب ثرواتها الضخمة من النفط والغاز الطبيعي، وسواحلها الكبيرة الممتدة على المتوسط". وقال "عبد الشافي" لصحيفة "الاستقلال": "أمام الإدراك المتبادل لأهمية كل طرف في مواجهة الطرف الأول، برز الاهتمام المشترك بتعزيز التعاون الثنائي إستراتيجياً بين الدولتين، ومن هنا كانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر في يناير/كانون الأول 2020". وتابع: "الزيارة كان لها الكثير من الدلالات، كونها كانت أول زيارة لرئيس دولة إلى الجزائر منذ وصول عبد المجيد تبون إلى السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2019، كما جاءت بعد توقيع تركيا اتفاقية ترسيم المياه الاقتصادية مع الحكومة الليبية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، التي صادقت عليها الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2020". وحسب الخبير، ترتبط الدولتان بعدد من الملفات الإستراتيجية، شديدة الأهمية للطرفين: أولها: تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، والتي تعتبر أولوية كبرى لهما في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها، بفعل ظروف داخلية وضغوط خارجية. ثانيها: ملف ليبيا، وسعي الدولتين نحو تحقيق سياسية شاملة في ليبيا، باعتبارها شريك إستراتيجي لتركيا، بعد اتفاقية 2019، ودولة جوار للجزائر، تؤثر بقوة في أمنها القومي، وفي ضبط توجهات سياساتها الخارجية والدفاعية والأمنية. ثالثها: ملف الغاز الطبيعي، وخاصة أن الجزائر تأتي على قمة منتجي ومصدري الغاز الطبيعي في العالم، بينما تأتي تركيا من بين أكثر الدول استيراداً في العالم، ويرتبط بهذا الملف، ملف الصراع حول غاز شرق المتوسط، وتداعياته على سوق الطاقة العالمي. أما رابعها: الموقف من فرنسا، التي تشكل متغيراً فاعلاً في علاقات الدولتين، باعتبارها كانت تحتل الجزائر لعقود طويلة وتتمتع بوجود قوي وفاعل في الداخل الجزائري على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الوقت الذي تتصادم مع تركيا في كثير من الملفات المتوسطية والأورومتوسطية. وخامسها: دور ومكانة الجزائر في تعزيز التوجهات الإستراتيجية التركية في القارة الإفريقية، لما تتمتع به من ثقل ومكانة كبيرة في القارة. فيما قال الأستاذ بقسم العلوم السياسية جامعة عنابة بالجزائر "مراد بن قيطة"، إن الجزائر تسعى بشكل حثيث على تقريب وجهات نظر مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف الليبي بغرض احتواء آثار هذه الأزمة ومنع تصعيد الأزمة ما بين أشقاء الداخل الليبي. وتابع: "هناك تنسيق يومي وعلى مستويات عدة بين الطرفين الجزائري والتركي فيما يتعلق بهذا الملف، لكن تعميق وتوسيع الطرفين لتعاونهما بهذا الخصوص يمكن أن تكون له انعكاسات مباشرة وحاسمة على مسار تسويته بالنظر للثقل الإستراتيجي للدورين الجزائري والتركي في هذا الملف". مضيفا، أن أي تكامل بينهما في هذا الإطار "سيزيد من فرص خفض التصعيد ويحول دون صوملة ليبيا وتفكيكها إلى أقاليم متناحرة ويزيد من فرص تسوية الأزمة سلميا". أطراف مستاءةيرى "ابن قيطة" أن هناك حالة استياء واضحة من بعض القوى والأطراف الإقليمية والدولية من هذا التقارب، سواء بشكل علني أو في الدوائر المغلقة، حيث ترى في هذا التقارب تهديدا لمشاريعها بإعادة هندسة المنطقة وفق رؤى وتصورات يراد فرضها على شعوب المنطقة لتبقى في حالة انقسام وتخلف. ومن بين أبرز تلك القوى يوضح "بن قيطة" أن الاتحاد الأوروبي، يرى في هذا التقارب تهديدا لمصالحه التجارية والاقتصادية بالجزائر والقارة الإفريقية، خاصة بعد إعلان الجزائر عن إرادتها بمراجعة اتفاقية الشراكة التي تربطه بالاتحاد. ووقف الخبير، عند الطرف الفرنسي الذي ينظر إلى هذا التقارب كمهدد لمصالحه الثقافية والاقتصادية، وجبهة جديدة من الصراع مع الجانب التركي الذي يحاول بشكل مستمر توظيف واستغلال ملف الاستعمار الفرنسي للجزائر كورقة ضغط في سجاله الإعلامي والدبلوماسي مع الطرف الفرنسي. وذهب الأستاذ الجامعي إلى القول، إن أحد الأطراف: "أنصار المشروع الصهيوني بالمنطقة، ونعني هنا تلك الدول دويلات الخليج الوظيفية التي انخرطت في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني وتروج له" في إشارة إلى الإمارات. ورجح المتحدث أن تزداد وتيرة الضغوطات الأمنية على الحدود الجزائرية خاصة من ناحية الجنوب بفعل الدور الفرنسي الخطير في منطقة الساحل وتمويله غير المباشر للجماعات المسلحة عبر الفدية. |