صحيفة الاستقلال

 صحيفة الاستقلال

الشعب يريد

 

ضربة للمسيّرات.. رسائل متعددة وراء اغتيال خبير صواريخ إيراني بدمشق

2022/11/25| | تقارير
جعفري كان من المسؤولين عن احتجاز عسكريين أميركيين بمياه إيران الإقليمية عام 2016

ضمن عملية نوعية عالية المستوى، تلقت طهران ضربة جديدة عبر اغتيال أحد مسؤولي صناعاتها العسكرية التابع للحرس الثوري الإيراني في العاصمة السورية دمشق.

واعترفت إيران باغتيال العقيد داود جعفري، أحد مستشاري قوات الجو التابعة للحرس الثوري بالقرب من دمشق بعد انفجار عبوة ناسفة بسيارته في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وانتظرت طهران يومين، قبل أن تنقل وكالات إيرانية بيانا للحرس الثوري، تؤكد فيه اغتيال جعفري، على "يد عملاء الكيان الصهيوني بانفجار عبوة ناسفة على الطريق قرب دمشق".

وأضاف بيان الحرس الثورة "أن الكيان الصهيوني المزيف والمجرم سيتلقى الرد بلا شك"، وفق وصفه.

اغتيال حساس

وعن تفاصيل العملية، ذكرت مواقع سورية معارضة، أن الاغتيال جرى قرب منطقة "السيدة زينب" أحد أحياء العاصمة دمشق، الذي بات منطقة إيرانية منفصلة بشكل كامل عن محيطها.

كما أظهرت اللقطات المصورة تهشم السيارة المدنية التي كان يستقلها العقيد الإيراني من نوع "هيونداي أفانتي"، وقتل أيضا مرافقه السوري.

وتحت شعار "لن تسبى زينب مرتين"، جذبت طهران عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من إيران ولبنان والعراق وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام "السيدة زينب" جنوبي دمشق، وهي بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.

واتخذت طهران من مسألة الدفاع عن "المقامات" حجة لإرسال مقاتلين وضباط من الحرس الثوري إلى سوريا منذ عام 2012، وأطلقت عليهم اسم "مدافعي الحرم".

وتحول حي "السيدة زينب" جنوبي دمشق، بعد عقد من الزمن على الثورة السورية، إلى أضخم معقل محصن لمليشيات إيران في قلب العاصمة، حيث تقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط بالحرس الثوري.

واللافت أن طهران اعترفت بتنفيذ الاغتيال عبر "عملاء على الأرض السورية" يعملون لصالح إسرائيل.

وهذا مؤشر على حجم "الاختراق الاستخباراتي" للمنطقة الواصلة إلى حي السيدة زينب، على الرغم من تنقل قادة الحرس الثوري داخل دمشق بسيارات مدنية وبلوحات عادية للتمويه الأمني.

كما أن منطقة السيدة زينب تشرف عليها المليشيات الإيرانية، بما في ذلك الحواجز الأمنية المؤدية إليها انطلاقا من مطار دمشق الدولي، دون أي تدخل لقوات نظام بشار الأسد.

ويبدو أن طهران تكتمت بداية عن مقتل جعفري لتأمين نقله إلى العاصمة طهران لترتيب مراسم تشييعه التي جرت في 24 نوفمبر 2022، حيث نقل بطائرة "إليوشین 76 تي دي".

مكانة جعفري

وأجرت طهران مراسم "تشييع" ضخمة لجعفري حضرها أعضاء من الحرس الثوري بلباسهم العسكري، وعائلاتهم، وشخصيات معممة من قادة المجموعات، مما يدل على مكانته داخل إيران.

وعلى رأسهم قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء الركن حسين سلامي والقائد العام للقوات الجوية اللواء أمير علي حاج زاده، وقائد فيلق القدس بالحرس الثوري اللواء إسماعيل قاآني.

ونشرت السلطات الإيرانية صورا لجعفري الملقب بـ"حاج مالك"، وكتبت عليها "شهيد مدافع الحرم عن زينب سلام الله عليها".

ورفعت خلال عملية التشييع شعارات منها "الموت لأميركا وإسرائيل" و"من أين أتت هذه الزهرة.. أتت من رحلة إلى سوريا"، "(المرشد الأعلى علي) خامنئي قائدنا".

وقضية اهتمام طهران باستعادة جثث قتلى الحرس الثوري من سوريا، تشكل دافعا لتجنيد مزيد من المتطوعين بشكل عقائدي للقتال إلى جانب حلفائها في الدول العربية.

ولطالما ادعت إيران أن وجود الحرس الثوري الإيراني في سوريا هو ضمن "مهمة استشارية" بطلب من نظام الأسد، الذي استنجد بطهران لقمع الثورة التي اندلعت في مارس/آذار 2011.

والحرس الثوري الإيراني مدرج على اللائحة الأميركية السوداء "للمنظمات الإرهابية الاجنبية"، وبالمثل فيلق القدس التابع له.

وتكررت حوادث اغتيال عدد كبير من الضباط المرتبطين بالمشاريع العسكرية الإيرانية داخل بلادهم.

إلا أن الاغتيال الجديد بسوريا وبعملية تفجير وليس بقصف جوي كما هو معتاد، ينم عن مدى قدرة خصوم طهران على مراقبة ضباطها من ذوي الكفاءة العالية.

إذ إن أهمية جعفري، تبرز من كونه يعمل ضمن قسم الطيران التابع للحرس الثوري الإيراني، ويشارك في تصنيع الطائرات بدون طيار (المسيرة) والأقمار الصناعية وهو كذلك خبير صواريخ.

وقطاع الطيران التابع للحرس الثوري متخصص في صناعة المسيرات والصواريخ ومنها البالستية والأقمار الصناعية.

وكانت ضربات إسرائيلية في 23 أكتوبر 2022، دمرت معدات عسكرية لوجستية تستخدم لتجميع طائرات مسيرة مصنعة في إيران، بعد قصف مكان تخزينها بشكل مباشر غربي العاصمة دمشق.

وإسرائيل كعادتها لا تتبنى اغتيال الضباط والعلماء النوويين الإيرانيين، لكن الصحف العبرية تكشف مزيدا من التفاصيل حول الهجمات والحوادث.

"مهمة إسرائيلية أميركية"

وضمن هذا السياق، نقلت صحيفة "جوزليم بوست" الإسرائيلية، في تقرير لها بتاريخ 23 نوفمبر عن محلل المخابرات المستقل رونين سولومون، قوله: "إن اغتيال الجعفري جاء عقب زيارة وفد إسرائيلي برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال هولاتا لمقر الأسطول الأميركي الخامس في البحرين".

وربط سولومون، الاغتيال "بدور الجعفري في مصادرة السفن الأميركية"، مضيفا: "يمكن أن يشير إلى أن القنبلة الموضوعة على جانب الطريق كانت في مهمة إسرائيلية أميركية مشتركة".

وكان جعفري من بين المسؤولين عن احتجاز الحرس الثوري الإيراني عسكريين أميركيين في مياه إيران الإقليمية في يناير/كانون الثاني 2016.

وأفرجت طهران بعد أقل من يوم، عن عشرة عسكريين أميركيين وزورقين تابعين للبحرية بعدما ضلا طريقيهما في 12 يناير 2016، لمسافة كيلومترين بالمياه الإقليمية الإيرانية واحتجزهما الحرس الثوري.

وحينها التقط الحرس الثوري صورا لهؤلاء الجنود وهم راكعون وأيديهم خلف رؤوسهم في "صورة مذلة" استخدمتها طهران لأغراض دعائية.

وعقب ذلك، نشرت وسائل إعلام إيرانية صورة للعقيد جعفري مع المرشد الإيراني علي خامنئي، وهو يصافحه بحرارة ومنحه كوفية وهي بمثابة "ميدالية للمهمة".

وشهد عام 2022 عمليات اغتيال لمسؤولين بالحرس الثوري الإيراني جراء ضربات جوية إسرائيلية على مواقع لهم بسوريا يعتقد أنها مقار ومراكز تدريب ومستودعات أسلحة.

فقد قتل المستشار العسكري أبو الفضل عليجاني بسوريا في 22 أغسطس/آب 2022، خلال مهمة "استشارية"، حسب وكالة "مهر الإيرانية، بينما رجحت وسائل إعلام تصفيته بشكل غامض.

كما قتل العقيدان في الحرس الثوري، إحسان كربلائي بور، ومرتضى سعيد نجاد، في 7 مارس 2022 جراء قصف إسرائيلي لمستودع للأسلحة والذخيرة قرب مطار دمشق الدولي.

لكن اغتيال العقيد داود جعفري، أحد مستشاري سلاح الجو في الحرس الثوري الإسلامي في سوريا في هذا التوقيت له دلالات ويحمل رسائل كثيرة، سواء لحجم دوره هناك أو من ناحية محاولات إيران لترسيخ قدمها أكثر في هذا البلد.

رسائل التصفية

وفي هذا الإطار، قال القيادي في المعارضة السورية العميد الركن فاتح حسون، لـ "الاستقلال"، إن أهمية "جعفري تكمن في كونه أحد الضباط الإيرانيين الخبراء والعاملين بتصنيع الصواريخ الإيرانية داخل سوريا منذ ما يزيد عن سبع سنوات".

وأضاف حسون، أن "جعفري كان أحد الذين يعملون على تحضير رادارات الطيار الآلي للصواريخ الإيرانية التي يجرى تصنيعها في مدينة مصياف السورية وفي عدة أماكن تصنيعية وبحثية أخرى".

وتكرر خلال الفترة الماضية تركيز الطيران الإسرائيلي على قصف مدينة مصياف وريفها التي تنال معامل الدفاع التابعة للنظام السوري، ومنها القصف "الأعنف من نوعه والأكثر تدميرا" في 14 مايو 2022.

وحينها قالت وسائل إعلام تابع للنظام السوري، إن الصواريخ المستخدمة كانت "ذات قوة تدميرية قوية، وسقطت بشكل عامودي وليس أفقي فقط".

وأشار العميد الركن فاتح حسون، إلى أن "الجعفري كان يطور مع أعضاء الفريق العامل معه، صناعة دارات الطيار الآلي للصواريخ الإيرانية بشكل مستمر لتبلغ أمدية أبعد وتزيد من قدراتها على مواجهة التأثيرات الخارجية في مرحلة سير الصاروخ".

وزاد العميد الركن بالقول: "كما أن جعفري أشرف وشارك في صناعة الطائرات المسيرة ويعد الخبير المميز في تطويرها، وهو من أبرز الأسماء التي يشاد بها في أوساط الإيرانيين العاملين في سوريا".

وألمح حسون قائلا: "لذلك فمن المؤكد أن جعفري كان يحتل موقعا مهما في برنامج تطوير الأسلحة الايرانية التي استخدمت في قتل السوريين وكذلك اليمنيون، إذ جرى تزويد الحوثيين بخبرات تصنيعها، بعد افتتاح دورات لمختصين منهم في دمشق من قبل العقيد الذي جرى اغتياله".

وعد القيادي في المعارضة السورية أن الأسلحة التي كان يعمل جعفري على تطويرها تهدد الجوار بما فيها المملكة الأردنية وكذلك الكيان الإسرائيلي.

ولعل الأخير هو المعني الأكبر في هذه المرحلة كون تكديس هذه الأسلحة يجرى في مناطق قريبة من حدوده، واحتمالية استخدامها في أي حرب محتملة بعد توتر حدودي، وفق قوله.

ضرب البرنامج

ومضى حسون يقول: "المليشيات الايرانية المتعددة باتت بأعداد كبيرة في المنطقة الجنوبية من سوريا ومنها على خط الجبهة تماما، وهي غير منضبطة وعناصرها ينتمون إلى ثقافات مختلفة".

وأردف قائلا: "وهو الذي تدركه إسرائيل وتحسب دائما له الحساب رغم قناعتها بأن الحكومة الإيرانية الحالية ملتزمة بتعهداتها بحسن الجوار وأن إستراتيجيتها العسكرية متجهة نحو الدول العربية ودول الخليج خاصة، ولكن من الذي يضمن عدم انفلات الأمور من عقالها؟"

وذهب حسون للقول: "إن إيران من الدول غير المستقرة وعواصف الاحتجاج تتلبد بأجوائها، لذلك فمن أهداف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية العمل على ضرب البرنامج العسكري الإيراني في سوريا من خلال قصف أماكن التصنيع والقضاء على أهم الخبراء الذين يسهمون فيه".

وتتحرك إيران في سوريا ضمن جهود ضخمة لضمان وجود دائم لها هناك، وهذا يفسر تركيزها على إنشاء طرق برية وبحرية رغم فشلها في ذلك وفق كثير من المراقبين العسكريين.

فضلا عن تشكيل القصف الإسرائيلي على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا خلال السنوات الماضية اللاعب الأكبر في تعطيل هذا الطريق الملتوي إلى حلفائها في دمشق وبيروت.

وتنخرط إسرائيل منذ أكثر من ثماني سنوات، في حملة مستمرة لتعطيل أنشطة إيران في سوريا.

إذ يصف بعض مسؤولي تل أبيب المعركة بـ "إستراتيجية الحرب بين الحربين"، الهادفة لتعطيل تطلعات إيران بالهيمنة الإقليمية، وكذلك منعها من تثبيت أقدام وكلائها داخل سوريا.

ولذا فإن أكثر ما يقلق إسرائيل هو توريد طهران الأسلحة إلى سوريا، في وقت تسعى فيه إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية.

خاصة وهي تمتلك نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة عام 2012.