الغزو الروسي لأوكرانيا.. كيف أحيا مناقشات توسيع الاتحاد الأوروبي؟

دير لاين قالت إنه "من الضروري استكمال اتحادنا بشكل أكبر"
أعاد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، إحياء مناقشات توسيع الاتحاد الأوروبي بوصفه ضرورة حتمية بعد أن كان يمثل أولوية منخفضة وغير عاجلة.
لكن رغم مرور أكثر من عامين ونصف العام على هذه الحرب التي تتخوف القارة الأوروبية من وصول شرارتها إليها، لم تتخذ كتلة بروكسل خطوة فعلية لضم أي دولة جديدة بما فيها أوكرانيا.
غير أنه بعد إجراء انتخابات البرلمان واختيار المفوضية الجديدة في أوروبا، عاد الحديث بقوة عن أهمية المسارعة بمناقشة ضم أعضاء جدد إلى الاتحاد، لحماية حدود الكتلة وردع روسيا.

فريق المفوضية
وفي 18 يوليو/تموز 2024، فازت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بولاية ثانية، مع تعهدها بإنشاء "اتحاد دفاعي" على المستوى القاري.
ودعم أعضاء البرلمان الأوروبي ترشيح دير لاين لولاية أخرى مدتها 5 سنوات بأغلبية 401 صوت في اقتراع سري للمجلس المؤلف من 720 عضواً.
وقدمت فون دير لاين (65 عاماً)، في خطاب ألقته أمام البرلمان بمدينة ستراسبورغ الفرنسية قبل الإعلان عن فوزها، برنامجا يركز على هدفي الازدهار والأمن في ظل حرب روسيا على أوكرانيا والمنافسة الاقتصادية العالمية والتغير المناخي.
وقالت قبل التصويت: "ستحدد السنوات الخمس المقبلة مكان أوروبا في العالم على مدى الخمسين عاما القادمة، وستقرر ما إذا كنا قادرين على تشكيل مستقبلنا بأنفسنا أم سنترك الأحداث أو الآخرين يشكلونه".
وبعد تعهد فون دير لاين بدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، قالت إن الصراع يهدد حرية أوروبا وإنه يتعين الإنفاق بشكل أكبر على قدرات التكتل الدفاعية.
وبعد عمليات من الشد والجذب، أعلنت دير لاين في 17 سبتمبر، فريق عملها في المفوضية التي تعمل كهيئة تنفيذية للاتحاد الأوروبي، وبرز من بينهم اسم مارتا كوس.
وجرى اختيار السياسية والدبلوماسية السلوفينية كوس في منصب مفوضة توسيع الاتحاد الأوروبي، وهي أحد أشد المؤيدين لهذه العملية.
وهذه السيدة هي "حليفة وثيقة" لرئيس الوزراء السلوفيني روبرت جولوب، الذي "يدعم حزبه معركة أوكرانيا ضد العدوان الروسي في بلادهم"، وفقا لما قالت صحيفة بوليتيكو الأميركية في 18 سبتمبر.
كذلك، يظهر اختيار أسماء أخرى، الأهمية التي توليها دير لاين لتحدي الخطر الروسي وما يرتبط بذلك من توسيع الكتلة وحماية حدودها والاهتمام بالإنتاج العسكري والدفاع والأمن.
فقد جرى اختيار الإستونية كاجا كالاس في منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، خلفا للإسباني جوزيب بوريل الذي ركز جل اهتمامه في الفترة الأخيرة على القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على غزة.
ويرى البعض أن في ذلك مؤشرا على أن السيدة الأكثر انتقادا وتحديا للكرملين ستشمر عن ساعديها لتظهر لصقور القارة أن الوقت حان لهزيمة روسيا، كما يرددون.
ويظهر ذلك من تصريحات دير لاين نفسها التي قالت إنه في المرة الماضية (الولاية الأولى منذ 2019) كان الاحتباس الحراري على رأس جدول الأعمال، وهو موضوع مستمر مع صفقة التحول الأخضر الأوروبية.
لكن هذه المرة، كما ترى رئيسة المفوضية، سيتعين على القارة أن تتعامل مع أولوية الأمن والدفاع، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن هنا يجرى استدعاء قضية توسيع الاتحاد ليضم دولا جديدا من أجل محاصرة روسيا.

استكمال الاتحاد
ففي عرض رؤيتها لولاية ثانية، قالت دير لاين إنه "من الضروري أخلاقيا وسياسيا وجيوستراتيجيا استكمال اتحادنا بشكل أكبر".
كما أن مفوضة توسيع الاتحاد الأوروبي مارتا كوس، تعهدت بعد يوم واحد من ترشيحها، "بالعمل بشكل مكثف" مع أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وتركيا ودول غرب البلقان لتحقيق "منظورها الأوروبي" من خلال الانضمام الكامل إلى الكتلة.
بالنسبة لتركيا، فإنه يُستبعد استئناف مفاوضات انضمامها بعد تجميدها من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2016 لأسباب سياسية أهمها الأزمة القبرصية.
ومنذ انطلاق المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 2005، افتتح 16 فصلًا تفاوضيا من أصل 35، بينما تُعرقل قبرص الرومية فتح 14 فصلًا آخر.
ويفرض الاتحاد الأوروبي على الدول الساعية للحصول على عضويته مبادئ خاصة تسمى بـ"معايير كوبنهاغن".
وجاءت هذه التسمية بعد اعتمادها من المجلس الأوروبي عام 1993 خلال قمة عقدت بالعاصمة الدنماركية، ولهذا سميت باسمها.
ومنذ عقود تدق تركيا أبواب الاتحاد الأوروبي دون جدوى، ويتعذر الأوروبيون بعدم خضوع أنقرة لهذه المعايير.
ويأتي ذلك في وقت تقول تركيا إن الاتحاد الأوروبي ضم دولا لا تتوافر فيها تلك المعايير، وإن استبعادها من النادي الأوروبي يعود لأسباب سياسية.
ولكن يحدو الأمل بلدانا أخرى، شكل الغزو الروسي لأوكرانيا نقطة إيجابية لصالحها، أبرزها دول غرب البلقان التي لم ينضم منها إلى الاتحاد الأوروبي سوى كرواتيا وسلوفينيا.
وعن تعيين مارتا كوس، قال موقع "بلقان إنسايت" في 27 سبتمبر 2024، إنها "بصفتها دبلوماسية وسياسية سلوفينية، فهي تأتي من بلد لديه اهتمام كبير بإدخال جمهوريات يوغوسلافيا السابقة وألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي".
ويتطلب التوسع الإجماع بين الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي، وعملية مناسبة للغرض، ولكن كلا الأمرين مفقود، وفق الموقع.
ولذلك، يقول الخبراء إن الكلمات المشجعة التي تصدر من دير لاين ليست جديدة. فقد مرت 11 سنة منذ آخر توسع للاتحاد الأوروبي في عام 2013، عندما أصبحت كرواتيا ثاني جمهورية من يوغوسلافيا السابقة تنضم إلى الاتحاد.
لكن، يسود بعض التفاؤل في خضم استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتعقد سبل حلها، وبالتزامن مع ذلك تخطو كتلة بروكسل خطوات بطيئة نحو تمهيد ضم بعض الدول إليها.

خطوات بطيئة
فعلى سبيل المثال، وافق قادة الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2024، على بدء مفاوضات انضمام البوسنة والهرسك إلى التكتل، لكنها لن تبدأ إلا بعد تنفيذ الدولة البلقانية عددا من الإصلاحات، وذلك بعد منحها صفة الدولة المرشحة عام 2022.
وقبلها في يونيو/حزيران 2022، وافق زعماء الاتحاد الأوروبي على ترشّح أوكرانيا ومولدوفا لعضوية الكتلة.
ويبرز الأمل بانضمام بعض الدول، من تصريحات أدلى بها رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان الذي يعد من أبرز الرافضين لتوسيع النادي الأوروبي.
وخلال مؤتمر صحفي في عاصمة شمال مقدونيا سكوبيه، حيث التقى نظيره هريستيان ميكوسكي قال أوربان في 27 سبتمبر إن الاتحاد الأوروبي كان ينبغي أن يسمح لدول غرب البلقان بالانضمام إلى الكتلة "منذ فترة طويلة".
وتابع: “إن دول غرب البلقان تستحق أكثر بكثير مما تلقته من بروكسل حتى الآن”، مؤكدا أهمية إبقاء ملف عضوية تلك البلدان على جدول الأعمال.
وكانت مقدونيا الشمالية مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي مع كرواتيا منذ عام 2005، لكن المفاوضات مع الأولى لم تبدأ بعد.
وقال أوربان "هذا خطأ فادح من جانب الاتحاد الأوروبي، ويمكنني وصفه بأنه خطأ تاريخي".
وكانت بلغاريا تعرقل جهود شمال مقدونيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، متهمة إياها بتجاهل الروابط التاريخية والثقافية.
وتشمل مطالب صوفيا الاعتراف بأن اللغة المقدونية مشتقة من نظيرتها البلغارية والاعتراف بأقلية بلغارية في شمال مقدونيا.
ولفت أوربان إلى أنه اقترح على ميكوسكي أن تتوسط المجر في نزاع بين شمال مقدونيا وبلغاريا، بشرط أن يكون الطرفان على استعداد لذلك.
وبدوره، أكد ميكوسكي التزام شمال مقدونيا بتعزيز عملية عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحل القضايا الجارية.
وتشير تقارير عديدة إلى أنه بسبب ضغوط بلغاريا، جرى فصل عمليات عضوية الاتحاد الأوروبي لمقدونيا الشمالية وألبانيا.
ومن المقرر أن يبدأ الفصل الأول من مفاوضات انضمام ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وبفضل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عادت عملية التوسع إلى المسار الصحيح، كما قال رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما.
فلولا غزو أوكرانيا، لكانت مفاوضات الانضمام مع ألبانيا وشمال مقدونيا لا تزال عالقة، ولما جرى الاعتراف بالبوسنة والهرسك كمرشحة.
وفي مارس 2024، قالت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك، إن دعم دول غرب البلقان في مسار الانضمام بات ضرورة ضد "الإمبريالية الوحشية" الروسية.
وأضافت في بيان قبل زيارتها إلى الجبل الأسود والبوسنة والهرسك: “أصبح من الضروري الجيوسياسي أن نفعل كل ما في وسعنا لضم الدول الست”.
وأشارت إلى أنه لا يمكن المجازفة بـ"المناطق الرمادية" في أي مكان بأوروبا، في إشارة منها إلى استقطاب دول القارة كافة في حلف ضد روسيا.
وقالت: "يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لإغلاق الأجنحة التي يمكن أن تستخدمها روسيا لزعزعة الاستقرار والتضليل والتغلغل، وهذا يشمل دعم دول غرب البلقان لتعزيز مؤسساتها الديمقراطية، وزيادة مرونتها وتوفير الآفاق الاقتصادية للناس".

ضغط وتحفيز
وتقول صحيفة الغارديان إن حقيقة أن التوسع يمثل أولوية إستراتيجية تجعل من الممكن قبول أعضاء جدد، لكنها لا تجعل ذلك مؤكدًا.
وأردفت في 11 سبتمبر 2024: "لقد مر حوالي 20 عامًا منذ أن وُعدت ستة بلدان في غرب البلقان (ألبانيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا، وكوسوفو) بالأمل في العضوية، ولكن لم يتحقق سوى القليل من التقدم منذ ذلك الحين".
وتابعت أن دول البلقان لا تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي لضمانات أمنية. فألبانيا والجبل الأسود وشمال مقدونيا أعضاء في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، في حين تتمتع البوسنة وكوسوفو بحضور كبير للحلف.
وأردفت: "إنه سيناريو مختلف تمامًا عن شرق أوروبا، حيث يعني غياب درع الناتو لحماية أوكرانيا ومولدوفا والقوقاز أن هذه البلدان تنظر إلى عضوية الاتحاد الأوروبي عدها ضمانة أمنية بديلة".
ولكن مساعي أوكرانيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص خلقت خوفًا ملموسًا في غرب البلقان من التخلف عن الركب.
وتابعت الصحيفة أن صربيا مثلا لا تريد أي علاقة بحلف شمال الأطلسي، وعلاقتها الوثيقة مع موسكو أدت إلى تعقيد محاولة بلغراد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة منذ الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا.
ومع ذلك، فإن الزخم الأخير حول توسع الاتحاد الأوروبي يساعد بطرق مهمة دول البلقان التي تطمح إلى الانضمام.
وأردفت الغارديان: “الأمر الأكثر أهمية هو ضرورة اتخاذ خطوات لطرد السم الرئيس من سياسة التوسع الحالية. فلفترة طويلة للغاية، اختطفت نزوات الأعضاء الحاليين الذين يسعون إلى تعزيز مصالحهم الوطنية عملية التوسع”.
وبينت أنه سواء كانت قبرص واليونان ضد تركيا، أو اليونان وبلغاريا ضد مقدونيا الشمالية، أو فرنسا (في الماضي) واليونان ضد ألبانيا، أو المجر ضد أوكرانيا، فإن استغلال سياسة الانضمام من قبل أعضاء مختلفين لتعزيز مصالحهم أعاق بشكل كبير مصداقيتها.
وتوضح أن الطريق الرئيس الذي ينتشر من خلاله هذا السم هو إعطاء حكومات الاتحاد الأوروبي الفرصة لعرقلة العملية في كل مرحلة.
وأشارت إلى أن الأمر يتطلب تحركا أوليا لتحفيز الكتلة الحرجة. وقد اقترحت ألمانيا وسلوفينيا بالفعل طرقا لتخفيف العبء عن العملية.
وينبغي للدول الأعضاء الأخرى الداعمة لدمج غرب البلقان في أوروبا مثل النمسا وكرواتيا والتشيك وإيطاليا وسلوفاكيا، أن تحذو حذوها، وفق الغارديان.
وتتابع: “ينبغي للدول مثل بولندا ودول البلطيق، التي لديها مصلحة في عضوية أوكرانيا ومولدوفا في الاتحاد الأوروبي، والدول التي تحولت أخيرا إلى التوسع مثل فرنسا، أن ترفع أصواتها”.
وتوقعت أن تكون هناك دول شاذة مثل المجر، وربما بلغاريا واليونان وقبرص. ولكن كما يثبت تاريخ التكامل الأوروبي مرارا وتكرارا، عندما تتجمع كتلة حرجة لصالح قرار ما، فمن الصعب للغاية على الأعضاء المتمردين أن يقاوموا لفترة طويلة.
المصادر
- EU should have admitted Western Balkan nations to bloc 'long ago': Hungarian premier
- New EU Line-Up, But No Quick Fix for Balkan Enlargement Woes
- The EU must soon open its doors to new members – its survival depends on it
- فون دير لاين تعلن أسماء الأعضاء الجدد بالمفوضية الأوروبية
- برلين: دعم عضوية دول غرب البلقان بالاتحاد الأوروبي مطلب جيوسياسي