مع تحولات سياسة أنقرة الخارجية.. ما مصير "المحور التركي الروسي الصيني"؟
"تركيا ترفض التصعيد مع روسيا ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل"
يواصل التحالف الوثيق بين تركيا وروسيا والصين النمو أخيرا، في سياق التوترات مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويؤكد موقع "تيليبوليس" الألماني وجود تباين واضح بين الكتلة الغربية والدول الداعمة للعالم المتعدد الأقطاب.
وبشكل عام، يبرز التحولات الكبيرة في السياسة الخارجية التركية وتوجهها نحو تعزيز العلاقات مع روسيا والصين في مواجهة التوترات مع الغرب، مما يعكس تغييرا جوهريا في توازن القوى العالمية.
وأشار الموقع إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وفي غضون أسبوعين، حضر لأول مرة اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا في 3 يوليو/تموز 2024، ثم قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في واشنطن بالعاشر من نفس الشهر.
وبنظرة من خلال عدسة مكبرة، يقول إن "الاختلافات تظهر هنا بين كتلة القوى الغربية والمدافعين عن عالم متعدد الأقطاب".
وخلال قمة الناتو في واشنطن، أوضح أردوغان أن "تركيا ترفض التصعيد مع روسيا ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل، في حين تابعت واشنطن سياستها المعتادة المتمثلة في العصا والجزرة".
تشديد الخناق
وفي هذا الصدد، يوضح الموقع أن "واشنطن مستمرة في دعم الأكراد في سوريا، في وقت تتزايد فيه المشاكل مع اللاجئين السوريين في تركيا".
وعلى جانب آخر، تواجه أنقرة تهديدات جديدة بفرض عقوبات من الولايات المتحدة، وفق الموقع.
ولفت إلى أن مجلس النواب قدم مشروع قانون يلزم الحكومة الأميركية بفرض عقوبات على شركة الطاقة النووية الروسية "روساتوم" والشركات التابعة لها.
بالإضافة إلى فرض عقوبات ثانوية على أي شخص متورط في معاملات مهمة مع "روساتوم".
وفي رأي الموقع، سيكون لهذا القرار تأثير كبير على محطة الطاقة النووية الأولى والوحيدة حتى الآن في تركيا، والتي اُفتتحت عام 2023.
إذ تبنت شركة "روساتوم" تمويل وبناء محطة الطاقة، والتي ستغطي -بمجرد تشغيلها- حوالي عشرة بالمئة من احتياجات تركيا من الطاقة.
ورغم ذلك، يقول الموقع الألماني إنه "بسبب العقوبات الأميركية، اضطر الروس أخيرا إلى التعامل مع التأخير".
وفي الوقت نفسه، تحاول واشنطن الضغط على أنقرة لإبرام عقود مع الشركات الأميركية، على الرغم من وجود عدد من المشاكل في هذا الأمر.
وبالنظر إلى الواقع، لفت إلى أن "التكنولوجيا النووية الأميركية لن تقلل في الأساس من اعتماد تركيا على الوقود النووي القادم من روسيا أو الصين".
وفي غصون ذلك، يؤكد الموقع أن "تركيا لا تزال تجري محادثات مع روسيا لإنشاء محطة ثانية للطاقة النووية، ومع الصين لإنشاء ثالثة".
ونتيجة لذلك، يتوقع أن تشدد الولايات المتحدة الخناق بشكل أكبر لإجبار أنقرة على الامتثال لإرشادات واشنطن.
وفي هذا الإطار، يظهر أن البحث في موقع وزارة الخزانة الأميركية يؤدي إلى العثور على عدد هائل يصل إلى 259 فردا أو كيانا تركيا خاضعا للعقوبات.
وهذا لا ينعكس بشكل جيد على العلاقات داخل حلف شمال الأطلسي في وقت تمر فيه تركيا بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقدين.
وعلى جانب آخر، ينوه إلى أن ما حدث في اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا يتناقض بشكل صارخ مع هذه الصراعات.
إذ حظي أردوغان باستقبال حار والتقى الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، وتعهد كلاهما بمواصلة تعزيز العلاقات مع تركيا.
عضوية كاملة؟
وفي هذا السياق، يوضح الموقع أن هذه القمة كان يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها "دليلا على طموحات منظمة شنغهاي للتعاون في أن تصبح الجهة الأمنية لأوراسيا".
ونتيجة لهذا التصور، يذكر الموقع أن "بيلاروسيا انضمت إلى المنظمة وأصبحت تركيا دولة مراقبة".
وبالحديث عن هدفها، يقول إن "ما تهتم به منظمة شنغهاي للتعاون في المقام الأول هو المحاولات التي يبذلها الغرب لتقويض القوة المتنامية لدولها الأعضاء".
ومن جانبه، أعرب أردوغان عن "رغبته في جعل تركيا عضوا كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون".
وفي رأي الموقع، قد تصبح تركيا عنصرا أساسيا في البنية الأمنية لمنظمة شنغهاي للتعاون إذا حدث ذلك. ومن الواضح أن "أردوغان مستعد للتواصل مع الصين بشأن هذا الأمر".
وهنا، يزعم أنه "على الرغم انتقاد أردوغان لبكين بشدة ذات مرة بسبب معاملتها لأقلية الإيغور المسلمة، إلا أنه تخلى بشكل شبه كامل عن هذا الموقف في السنوات الأخيرة".
وعلى حد قول الموقع، إن هذا الموقف ليس بالأمر الهين بالنسبة لأنقرة التي أطلقت في السابق على مقاطعة شينجيانغ الصينية اسم "تركستان الشرقية"، واتهمت الصين بارتكاب "إبادة جماعية" ضد الإيغور.
وفي هذا الإطار، يقول إنه “من المرجح أن يثير التغيير في موقف تركيا ذعرا في واشنطن، لأنه ربما يكون علامة على التغيير”.
من جانب آخر، في الوقت الذي تريد فيه أنقرة أن تصبح عضوا كاملا في منظمة شنغهاي، يوجد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في الصين للحديث عن انضمام تركيا المحتمل إلى دول البريكس.
ومن المتوقع أن "يلعب موقف أنقرة بشأن سلامة أراضي الصين دورا مركزيا في تعزيز اندماج تركيا في مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون".
علاقات تركيا
وبالحديث عن جدول أعمال منظمة شنغهاي للتعاون، يعكس الموقع قضية أخرى مهمة تلعب فيها تركيا دورا أساسيا، وهي حل القضية السورية وانسحاب الأميركيين من البلد المدمر.
وفور عودته من قمة الناتو، أعلن أردوغان أن "تركيا وسوريا ستضعان خارطة طريق لتنشيط العلاقات واتخاذ الخطوات وفقا لذلك".
ومن المتوقع أن يعمل وزير الخارجية هاكان فيدان على ترتيب لقاء بين أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، بحسب الموقع.
وبالعودة إلى الماضي، يوضح أن "حكومة أردوغان دمرت ذات مرة العلاقة بشكل متعمد عندما هربت تركيا ومولت المقاتلين الإسلاميين في سوريا، وسيطرت أيضا على شريط أمني واسع في شمال سوريا".
وفي الوقت الحالي، يبدو أن المصالحة بين أنقرة ودمشق تقترب بفضل الدعم الذي تقدمه موسكو.
ومن وجهة نظر الموقع، "سيكون من المفيد لكل من تركيا وسوريا دفن الأحقاد ومحاولة تقريب وجهات النظر".
في غضون ذلك، ينوه إلى أن "موقف واشنطن في سوريا سيصبح محفوفا بالمخاطر للغاية، لا سيما في شمال شرق البلاد الذي يهيمن عليه الأكراد".
وفي هذا السياق، يسلط الضوء على نقاط جوهرية أخرى في العلاقة بين الناتو وتركيا، وتحديدا في مجال التسلح وإعادة التسليح.
ويوضح الموقع أنه "من وجهة نظر تركية، لم تؤخذ الاحتياجات الدفاعية التركية في الاعتبار بشكل كاف لفترة طويلة".
فمنذ التسعينيات، طلبت أنقرة من حلف شمال الأطلسي نشر أنظمة إنذار مبكر وصواريخ باتريوت في تركيا.
لكن هذا لم يحدث إلا في عام 2013، وإن كان على نطاق غير كاف بالنسبة لأنقرة.
ونتيجة لذلك، في عام 2017، اشترت تركيا أنظمة الدفاع الصاروخي "إس 400" من موسكو.
وردا على ذلك، استبعدت الولايات المتحدة تركيا من برنامج طائرات "إف-35" وفرضت عقوبات على صناعة الدفاع في البلاد ومديريها التنفيذيين.
ومن جانبها، بدأت الصين أخيرا أيضا النظر في التعاون في مجال الأسلحة مع تركيا، وهو ما يجده الموقع "مثيرا للاهتمام".
التوجه الاقتصادي
وبانتقال الحديث إلى التجارة بين تركيا ودول منظمة شنغهاي للتعاون، يقول الموقع الألماني إن "التقدم السريع في هذا المجال يرجع إلى حد كبير إلى العقوبات التي فرضها الغرب على العديد من دول المنظمة".
إذ تمتلك تركيا اتحادا جمركيا مع الاتحاد الأوروبي، مما يجعل البلاد حاليا نقطة جذب لتجنب الرسوم الجمركية أو العقوبات.
ووفقا للإحصائيات، قبيل انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون، أشارت قناة "TRT World" التلفزيونية التركية إلى أن صادرات أنقرة إلى دول منظمة شنغهاي للتعاون زادت بنسبة 85 بالمئة خلال السنوات الخمس الماضية".
فبينما بلغت قيمة الصادرات حوالي 14.1 مليار دولار فقط في عام 2019، وصلت إلى 26.1 مليار دولار عام 2023، وفق ما ورد عن الموقع.
وبنفس الشكل، يوضح الموقع أن الواردات التركية بلغت من الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون 106.3 مليارات دولار أميركي عام 2023، أي حوالي ضعف 55.6 مليار دولار أميركي في 2019.
ورغم ذلك، يلفت الموقع الألماني إلى أن "حصة دول منظمة شنغهاي للتعاون في إجمالي صادرات تركيا خلال عام 2023 لا تزال 10 بالمئة فقط".
وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي يُعد الشريك التجاري الأكثر أهمية لأنقرة، حيث يمثل ما يقرب من ثلث تجارتها.
وفي مقابل ذلك، تمثل تركيا 3.6 بالمئة من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي فقط، بحسب الموقع.
وعلى جانب آخر، يقول إن "روسيا تزود تركيا بما يقرب من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي وربع وارداتها من النفط".
وفيما يخص الاستثمارات في تركيا، يذكر أن "أنقرة تبذل جهودا مكثفة لجذب الاستثمارات الأجنبية".
وبالإشارة إلى أنها حققت بعض النجاحات في هذه القضية، يبرز الموقع دور الصين بمواردها المالية الهائلة.
فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة السيارات الصينية "BYD" أنها تخطط لإنشاء مصنع بقيمة مليار دولار أميركي في غرب تركيا. ومن المتوقع أن يجذب هذا المصنع المزيد من الاستثمارات الصينية.
وبشكل عام، فإن موقع تركيا المناسب من الممكن أن يؤدي إلى تحويل البلاد إلى "مركز إنتاج"، مع التركيز -على الأقل في الوقت الحالي- على الصادرات المعفاة من الرسوم الجمركية إلى الدول الأوروبية.
وبالنسبة للاستثمار الصيني المباشر في تركيا، فقد بلغ عام 2022، حوالي 1.7 مليار دولار، وفق الموقع
أما دول الاتحاد الـ27 فلا تزال تمثل حتى الآن 59 بالمئة من الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا.
الابتعاد عن الغرب
وبالنظر إلى الأمر من زاوية أخرى، يخلص الموقع إلى أن "الشعب التركي يبتعد الآن عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، متطلعا أكثر نحو الشرق".
ونقلا عن استطلاع للرأي أجرته شركة "جيزيجي" التركية في ديسمبر/ كانون الأول 2022، فإن "72.8 بالمئة يؤيدون العلاقات الجيدة مع روسيا".
في حين ينظر ما يقرب من 90 بالمئة إلى الولايات المتحدة على أنها "دولة معادية".
ولا تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها مركز "بيو" للأبحاث بمناسبة الذكرى الـ 75 لتأسيس حلف شمال الأطلسي مثل هذه الصورة القاتمة.
إلا أن الموقع يبرز أن "الأتراك لا يزالون يتمتعون بثاني أدنى نسبة تأييد للحلف بين الأعضاء، بنسبة 42 بالمئة".
ومن ناحية أخرى، يعكس أن "الرأي العام في تركيا يتميز بأغلبية ساحقة ضد إسرائيل والولايات المتحدة".
وهو ما أكده تصريح أردوغان خلال قمة الناتو، حيث قال إن "الولايات المتحدة متواطئة في المجازر الإسرائيلية".
وفي نهاية التقرير، يحذر الموقع من أن "الوضع محفوف بالمخاطر"، لأن "منظمة حلف شمال الأطلسي ربما لن تتسامح مع انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون".
ومن المرجح أن يتبع الغرب سياسته المعتادة؛ "معنا أو ضدنا"، لمحاولة إرغام البلاد على القيام بما يتصالح مع مصالحهم.
وعلى العكس من ذلك، تحاول تركيا اتخاذ إجراءات ضد "المصالح الأجنبية" من خلال قانون جديد.
ينص هذا القانون على أن "أي شخص ينفذ أو يأمر بإجراء أبحاث على المواطنين والمؤسسات التركية نيابة عن أو لصالح منظمة أو دولة أجنبية، بهدف العمل ضد المصالح الأمنية أو السياسية أو الداخلية أو الخارجية للدولة، سيواجه عقوبة السجن لمدة تتراوح بين ثلاث إلى سبع سنوات".
وفي رأي الموقع الألماني، "يُنظر عادة في مثل هذه القوانين أو تُقَر بشكل متزايد من قبل الدول التي تخشى التدخل الغربي في بلادها".