خبير أمني جزائري: روسيا تتنصل من أزمات دول الساحل والمغرب وإسرائيل يستهدفاننا (خاص)
"الولايات المتحدة آخر من يمكن أن يتحدث عن الحقوق والحريات في الجزائر"
قال الخبير الأمني المختص في شؤون الساحل الإفريقي أحمد ميزاب إن المعادلة الأمنية في دول جوار الجزائر تواجه خللا واضحا بسبب التدخلات الخارجية من أطراف عديدة، في مقدمتها روسيا وفرنسا والمغرب وإسرائيل.
وأوضح ميزاب في حوار مع “الاستقلال” أن المستجدات التي شهدتها النيجر أخيرا (الانقلاب العسكري وتبعاته) لها تأثيرات وانعكاسات على منطقة الساحل الإفريقي بشكل عام.
ولفت إلى أن الجزائر تسعى إلى الحفاظ على أمنها من خلال التعامل مع مثل هذه المشكلات بشكل جدي وتفتح الباب للنقاش دائما مع الأطراف الخارجية التي تتدخل في المنطقة.
وعن العلاقات مع روسيا التي تعزز نفوذها بالمنطقة، قال ميزاب إن علاقة الجزائر وروسيا تطورت إلى "إستراتيجية معمّقة" لكن ثمة تنصّل روسي من المسؤولية عما يفعله المرتزقة الروس بدول الساحل تحت ذريعة أن تلك المجموعات الأمنية خاصة.
وفي سياق آخر أكد الخبير الجزائري أن موقف بلاده من إقليم الصحراء هو من ثوابت سياستها، ولا يقبل المساومة من دافع أنها قضية عادلة مصنفة لدى الأمم المتحدة على أنها "قضية استعمار".
ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.
وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عد "لكركرات" منطقة منزوعة السلاح.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم.
والدكتور أحمد ميزاب هو أستاذ بجامعة الشيخ العربي التبسي، ورئيس اللجنة الجزائرية الإفريقية للسلم والمصالحة، وخبير أمني وجيوسياسي مختص بشؤون الساحل الإفريقي.
إدراك للخطورة
- كيف تتعامل الجزائر مع المخاطر الأمنية من حولها؟
الجزائر تدرك جيدا حجم المخاطر الأمنية التي تواجهها، وذلك بعد تقييم الواقع الأمني على حدودها.
فعدم الاستقرار السياسي من حول الجزائر والتدخلات الخارجية أثرت سلبا على المعادلة الأمنية. وتسببت التدخلات الخارجية بدول الجوار في تحريك الأزمات النائمة داخل تلك الدول.
لذلك تتبنى الجزائر على المستوى الدبلوماسي مبدأ المكاشفة والصراحة سواء مع دول الجوار أو مع البلد التي تتدخل فيها. وخصوصا التي تجمعها معها علاقات إستراتيجية أو علاقات صداقة مثل روسيا.
- ناقشت الجزائر مع روسيا أخيرا مسألة انتشار قوات فاغنر على حدودها الجنوبية.. هل تستجيب موسكو لمخاوف حليفتها؟
بين الجزائر وروسيا علاقات تطورت خلال العام الماضي (2023) إلى "إستراتيجية معمّقة" وبالتالي لم تُخف قلقها من المؤسسات الأمنية المرتبطة بموسكو والتي أثرت سلبا على المعادلة الأمنية.
ولكن صراحة الجانب الجزائري قد تقابل بتنصّل روسي من المسؤولية تحت ذريعة أن تلك المؤسسات الأمنية هي مؤسسات خاصة ولا تخضع لسلطة الدولة ولها قوانين خاصة ومبررات من هذا القبيل.
غير أنه في الفترة الأخيرة، تسببت هذه المؤسسات بمشكلات معقدة وفائقة جعلت هذه المبررات غير مقنعة لأي طرف فضلا عن أن تكون مقنعة للجزائر.
من جانب آخر، تعلم روسيا أن استمرار الوضع على ما هو عليه في دول الجوار قد يتطور لمستوى يؤدي إلى انفجار المنطقة وهو ما قد يدفعها للتعاون من أجل تجنب ذلك.
وخصوصا أن التجارب السابقة أثبتت أن التدخلات الخارجية من خلال القوة في أي من الدول لم يسهم إطلاقا في حالة من الاستقرار بل في حالة من القلق التي لا تكون في صالح أي طرف والنماذج عديدة.
وبشكل عام تدرك الجزائر جيدا أن التغيرات السلبية في المعادلة الأمنية من حولها ستؤثر عليها سلبا وبالتالي من المستحيل أن تكون في وضع المتفرج.
النفوذ والأمن
- سعت روسيا لتحل محل فرنسا التي تراجع نفوذها في إفريقيا.. ما تأثير الأمر على الوضع الأمني للجزائر؟
تؤكد الجزائر دائما على مسألة رفض التدخلات الخارجية من جذورها، فالوجود الفرنسي أو الروسي أو غيره في دول الجوار بشكل عام، مرفوض على المستوى السياسي والأمني وتحركاتها في المنابر الدولية توضح ذلك وتثبته وتؤكده.
ولطالما دعت الجزائر إلى سحب أي قوة لأي طرف دولي كان فرنسيا أو أميركيا أو روسيا أو غير ذلك.
وهذا ينقلنا إلى نقطة مهمة وهي أن الجزائر لا تعترف بأن هناك مناطق نفوذ لأحد، ففكرة مناطقية النفوذ تضر بقوة بالجزائر وبالتالي نجد تحركاتها الدبلوماسية تسعى دائما إلى تقويض هذه الفكرة.
إذ تدرك أن هذا النفوذ سيكون منهكا لها في التحركات الأمنية لأنها تكون في مواجهة جرائم من أنواع مختلفة منها الجريمة العابرة للأوطان وتأمين الحدود ومكافحة الظاهرة الإرهابية، بالتالي الحضور الأجنبي بتأثيراته مؤثر سلبا ويزيد من الحمولة الأمنية للجزائر.
- بعد المستجدات في النيجر (الانقلاب العسكري).. هل ترون أن طرق التجارة بينها وبين الجزائر تواجه مشاكل أمنية وأين الحل؟
بصفة عامة.. منطقة الساحل الإفريقي تشهد وضعا أمنيا معقدا وحالة من حالات انهيار المعادلة الأمنية، والنيجر ضمن هذا الوضع.
وبالتالي فإن الحديث عن مشاريع اقتصادية أو طرق تنمية أمر صعب فهي تصطدم بالهاجس الأمني والتهديد المستمر.
والعديد من دول الساحل للأسف تتسيّد فيه الموقف "الجيوش الإرهابية" كما سماها وزير الداخلية الجزائري العام الماضي (2023)، وهي تسيطر على بعض المناطق داخل تلك الدول للأسف.
وبالتالي الأمر معقد جدا على المستوى الأمني، وإن كان هناك مشروعات تنموية واستثمارية وتجارية كبرى بين الجزائر والنيجر.
فالمسألة تواجه تعقيدات المعادلة الأمنية ويمكن للجزائر أن تلعب دورا أمنيا في هذا المجال.
لكن ذلك يكون عندما تتوفر الأجواء والأرضية الأساسية، وبعد ذلك قد تتحرك الجزائر في هذا الإطار من أجل حماية هذه المشروعات واستكمال هذا المسار الذي لا ننكر أهميته.
أمانة تاريخية
- الرئيس الجزائري صرح بأن ملف الذاكرة بين الجزائر والمستعمر السابق لا يسقط بالتقادم.. كيف ترى تعامله مع هذا الملف؟
فرنسا هي "مستدمِر" يأخذ صفة "المستعمر" فهي لم تحتل الأرض فقط بل دمرت الأرض وحرقتها ودمرت العقل وحاولت قتل مفهوم الهوية لدى المواطن الجزائري.
موقف الرئيس (عبد المجيد تبون) حيال هذا الأمر يستجيب لتطلعات شعبه ولرسالة الشهداء وأرواحهم وذاكرة الجزائر وهو أمر تاريخي لأنه لا أحد يستطيع إنكار حقائق التاريخ بخاصة تلك المرتبطة ببلده.
- كيف يمكن استشراف مستقبل العلاقات بين فرنسا والجزائر عند استحضار ملف الذاكرة؟
برأيي لن يقوم أي نوع من العلاقات بين فرنسا والجزائر إلا بعد تسوية هذا الملف.
وذلك لأن الجزائر لها حقوق من حيث التاريخ ومعرفة التفاصيل وتوضيح الجرائم التي ارتُكبت بحقنا.
فهذه تضحيات قُدمت من عام 1830 حتى عام 1962 وبالتالي هذا مطلب شعبي وطني وثابت من الثوابت ولا يمكن أن يتجاوزه أي أحد أو يؤجله لما بعد قيام العلاقات.
وموقف الرئيس عبد المجيد تبون هنا له دوافع عديدة فتلك أمانة تاريخية، فضلا عن دوافعه الشخصية أيضا.
قضية عادلة
- بعد اعتراف إسرائيل وأميركا بسيطرة المغرب عليها.. هل تشهد أزمة الصحراء الغربية أي مستجدات من قبل الجزائر؟
الصحراء الغربية مصنفة لدى الأمم المتحدة في المادة الرابعة المتعلقة بتصفية الاستعمار، بأنها منطقة محتلة من قبل المغرب.
ولا أكثر دلالة على ذلك من التحالف الذي يعلنه المغرب دائما مع الكيان الصهيوني.
فالمحتل ومغتصب الأرض دائما يتعاون مع من هم مثله، ومجرم الحرب أيضا يتحالف مع مثيله، هذه مُسلَّمة يجب أن ننطلق منها.
الأمر الآخر أن موقف الجزائر في هذا الصدد واضح ليس فقط للصحراء الغربية بل هي تُناصر القضايا العادلة بشكل عام وهذه القضية إحداها فهي مصنفة ضمن "تصفية الاستعمار".
وبالتالي بموجب المواثيق، من الطبيعي أن تقف الجزائر مع ضحايا هذا الاستعمار حتى يتحرر.
و"الجمهورية العربية الصحراوية" مؤسس للاتحاد الإفريقي وميثاقه وهذا أيضا دافع قوي للجزائر لأن تتضامن معها.
- التحالف بين إسرائيل والمغرب، كيف يؤثر على الجزائر؟
هذا التحالف قديم وليس جديدا بدليل أن العدد الكبير للوزراء في حكومة الكيان الصهيوني وكذلك قيادات عسكرية واستخباراتية جلهم من أصول مغربية، والجزائر ترى في ذلك تهديدا ليس لها فقط بل للمنطقة بأكملها.
كما أن الرئيس الجزائري صنف ذلك تحت "الهرولة نحو التطبيع" و"الخيانة" لأن الأمر يهدد المنطقة بأسرها.
وإذا كانت الجزائر تُصنف لدى المغرب بأنها عدو أول وهي كذلك عدو للكيان الصهيوني فمن الطبيعي أن التحالف بين المغرب وإسرائيل يستهدفها.
هذه نظرة الجزائر للأمر وهي واضحة، وهذا يجعلنا متلامسين بطبيعة الحال مع القضية الفلسطينية التي تعد مركزية إلى جوار قضية الصحراء.
فهما شعبان محتلان يناضلان لنيل حقوقهما وبالتالي الجزائر معهما.
عكس الحقيقة
- في بداية 2024، وضعت واشنطن الجزائر ضمن الدول المراقبة “بسبب انتهاك الحريات الدينية”.. ما تقييمكم لهذا الأمر؟
هذا التصنيف غير عادل بالمرة ويصطدم بمجموعة من الحقائق منها أن الدستور الجزائري يكفل الحريات الدينية وفقا للقوانين والتشريعات المنظمة لهذا الجانب.
في الجزائر تجد المسجد بجوار الكنيسة، ولا مجال للتعصب أبدا، والحقيقة الأخرى لننظر إلى عدد الأجانب العاملين في البلاد لتتضح الصورة بأن هناك احتراما للديانات.
وهنا نتحدث عن الشركات الصينية، فالصينيون الموجودون في الجزائر مثلا يقدرون بالآلاف، ونتحدث عن الأجانب من الأوروبيين والأميركان الذين يقدرون بالمئات، كذلك عن بعض الشركات الهندية المحدودة موجودة بالعشرات.
- كيف يمكن فهم هذا التصنيف الأميركي؟
لا نعلم في أي إطار تتحدث أميركا عن الحريات الدينية؟! والحقيقة أن الولايات المتحدة آخر من يمكن أن يتحدث عن هذا الأمر.
فهي تمول حرب إبادة ضد مجتمع وشعب بأكمله الآن (الشعب الفلسطيني)، وتحارب كل ما يرمز إلى الدين الإسلامي.
كما واجهت طلبة الجامعات (في أميركا) بقوة وقسوة غير مسبوقة عندما نادوا بحقوق الشعب الفلسطيني ووقف الإبادة ضدهم، بل استخدمت "الفيتو" ضد مشاريع تسعى إلى إنقاذ الأطفال الفلسطينيين من الموت وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
هذه القائمة التي حددتها الولايات المتحدة يجب أن تكون هي على رأسها، فهي لا تحترم حريات دينية ولا إنسانية بشكل عام بل تميّز بين بشر يتمتعون بحقوقهم وآخرين ليس لهم أي حقوق من وجهة نظرها.