لماذا تخالف رموز إماراتية موقف حكومة ابن زايد من مفاوضات الرياض والحوثيين؟

يوسف العلي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع زيارة مليشيا الحوثي اليمنية إلى المملكة العربية السعودية، في إطار محادثات تهدف إلى إيجاد حل سياسي في اليمن، وجهت شخصيات إماراتية قريبة من صناع القرار، انتقادات مبطنة لأي اتفاق محتمل قد ينتج بين الرياض والمليشيا المسيطرة على صنعاء.

ولأول مرة منذ اندلاع حرب اليمن عام 2014، وصل وفد من مليشيا "الحوثي" إلى الرياض في 14 سبتمبر/ أيلول 2023، بدعوة من السعودية، لمناقشة التوصل إلى "وقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول".

وبدورها، أعلنت الخارجية السعودية، في 20 سبتمبر، ترحيبها بـ"النتائج الإيجابية" للنقاشات مع وفد صنعاء لاستكمال جهود مسار السلام في اليمن.

كما أشادت الوزارة، في بيان نشرته على منصة "إكس" بمضامين لقاء وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان بن عبد العزيز، بوفد صنعاء.

وقالت الوزارة في البيان إنها "ترحب بالنتائج الإيجابية للنقاشات الجادة بشأن التوصل إلى خارطة لدعم مسار السلام باليمن التي عقدها فريق التواصل والتنسيق السعودية برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد بن سعيد الجابر بمشاركة الأشقاء بسلطنة عمان مع وفد صنعاء برئاسة محمد عبد السلام في مدينة الرياض خلال الفترة من 14 إلى 18 سبتمبر 2023".

ولفت البيان أن النقاشات جاءت "استكمالا للقاءات الفريق السعودي التي أجراها في فترة سابقة مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني وفي صنعاء خلال الفترة من 8 إلى 13 أبريل/ نيسان 2023، وتم التوصل فيها إلى العديد من الأفكار والخيارات لتطوير خارطة طريق تتفق عليها الأطراف اليمنية كافة".

وذكر أن وزارة الخارجية تشيد بمضامين لقاء وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز بوفد صنعاء الذي زار المملكة.

وأشار أنه تم في مضامين اللقاء "التأكيد على استمرار وقوف المملكة مع اليمن وشعبها وحرصها الدائم على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائما في اليمن تحت إشراف الامم المتحدة والانتقال باليمن إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة".

وقبل صدور هذا البيان بيوم، غادر وفد مليشيا الحوثي الرياض، بعد المحادثات التي استمرت 5 أيام مع مسؤولين سعوديين، في أعقاب دعوة رسمية وجهتها المملكة.

انتقاد مبطن

ورغم موقف الإمارات الرسمي الصادر عن وزارة خارجيتها في 19 سبتمبر، والذي أثنى على محادثات الرياض، فإن المواقف التي صدرت من شخصيات إماراتية، وأخرى صرّح بها مقربون للمجلس الانتقالي الجنوبي اليمني المدعوم إماراتيا، تذهب باتجاه مختلف تماما.

التناقض في المواقف، أثار تساؤلات عدة عن حقيقة موقف الإمارات من خطوات السعودية الساعية إلى التوصل لإبرام اتفاق مع مليشيا الحوثي بمعزل عن أبوظبي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وإلى أي مدى يمكن لهؤلاء عرقلة التفاهمات المحتملة.

على صعيد المواقف التي صدرت من الشخصيات الإماراتية، أطلق عبد الخالق عبد الله الأكاديمي الإماراتي المقرب من رئيس الدولة محمد بن زايد، تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 14 سبتمبر، اتهم فيها جهات (لم يسمها) بالسعي إلى تسليم جنوب اليمن إلى الحوثيين.

وتساءل عبدالخالق عبدالله في تغريدته قائلا: "لماذا يصر البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الإيرانية الانقلابية بصنعاء؟"

وأضاف أن "قضية الجنوب العربي ليست قضية انفصال، بل هي قضية تحرر وطني يسعى شعب الجنوب لتأسيس وطنه الحر ودولته المستقلة، ويستحق دعم دول العالم وشعوب المنطقة وفي المقدمة دول وشعوب الخليج العربي. دولة ولها عنوان".

طرح الأكاديمي الإماراتي، جاء بعد ساعات من تغريدة أطلقها، ضاحي خلفان نائب قائد شرطة دبي، قال فيها: إن "الأوساط الحوثية تتحدث عن فكرة إنشاء مملكة هاشمية يمنية.. إذا صحت الأخبار... ينبغي لمن يهمه الأمر مراجعة القرار".

وكانت الخارجية الإماراتية أكدت في بيانها "أهمية دعم جميع الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لإيجاد حل سياسي مستدام في اليمن، بما يحقق تطلعات شعبه في الأمن والنماء والاستقرار"، مرحبة بالجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عُمان الشقيقتان لإحلال السلام في اليمن.

وأثنت الخارجية الإماراتية، على "المحادثات التي تجرى في العاصمة الرياض مع وفد حوثي للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية بما يعزز السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة".

كما أكدت "التزام دولة الإمارات بالوقوف إلى جانب الشعب اليمني ودعم طموحاته المشروعة في التنمية والازدهار".

توجس جنوبي

أما عن موقف الجنوبيين في اليمن، فقد قال المحلل السياسي اليمني، أنور التميمي المقرب من المجلس الانتقالي اليمني المدعوم إماراتيا، إن "موقف القوى الجنوبية من مفاوضات جماعة الحوثي في الرياض تحدده طبيعة القضايا التي يناقشها المفاوضون".

وأوضح التميمي في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 18 سبتمبر، أن "أكثر من مسؤول جنوبي أوضحوا في تصريحات إعلامية، أن الجنوبيين في حل من أي اتفاقات أو تفاهمات بين أي قوى محلية أو إقليمية تتجاوز الثوابت الجنوبية المعلنة".

وأردف المحلل اليمني، قائلا: "المجلس الانتقالي الجنوبي أصدر في أكثر من مناسبة بيانات، أكد خلالها أن الثروات الجنوبية حق سيادي للشعب الجنوبي، ولا يحق لأي من كان التفريط فيها".

وأشار إلى أن "بيانات الانتقالي وتصريحات قادته يمكن فهمها على أنها كانت ردا على مطالبات واشتراطات حوثية للوسطاء الإقليميين، بتسليم 80 بالمئة من عائدات النفط والغاز المستخرج من حقول النفط في الجنوب لحكومة الحوثيين".

وأكد التميمي أن "هناك درجة من التوجس الشعبي الجنوبي من التحركات الدبلوماسية الأخيرة بين الحوثيين والسعوديين، والتي ستقود على ما يبدو إلى تفاهمات جانبية عالية جدا".

إذ يخشى الجنوبيون أن تقود التفاهمات إلى التساهل مع متطلبات الحوثي، المتمثلة في حصوله على جزء كبير من عائدات نفط حضرموت وشبوة، وفق تقديره.

وأشار إلى أن "الاستقلاليين الجنوبيين يتبنّون موقفا واضحا يرفض تسليم الحوثي أي نسبة من عائدات ثروات الجنوب، ويؤكدون أن ما لم يستطع الحوثي انتزاعه بالقوة والحرب، لن يستطيع انتزاعه بالتفاوض، هذه المحددات هي التي تحكم الموقف الجنوبي من لقاء الحوثيين مع السعوديين في الرياض".

ويطمح الجنوبيون، بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي، المدعوم إماراتيا، إلى الانفصال بالأقاليم الجنوبية لليمن، وتأسيس دولة خاصة بجنوب البلاد.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، كشفت خلال تقرير سابق نشرته في 3 مارس 2023، أن الخلاف الأكثر حدة بين السعودية والإمارات يتعلق في أزمة اليمن، مؤكدة أن الرياض شعرت بتخلي أبو ظبي عنها عندما سحبت قواتها من الأراضي اليمنية عام 2019.

ونقلت عن مسؤولين خليجيين (لم تكشف هويتهم) القول إن الإمارات سحبت معظم قواتها البرية من اليمن عام 2019، لكنها ما زالت تخشى تهميشها من المناقشات حول مستقبل هذا البلد في الوقت الذي تواصل السعودية محادثات مباشرة مع المتمردين الحوثيين بشأن إنهاء الحرب.

وأضاف المسؤولون أن الإمارات ترغب في الحفاظ على موطئ قدم إستراتيجي لها على الساحل الجنوبي لليمن وضمان وجود قوة في البحر الأحمر لتأمين الطرق البحرية من موانئها إلى بقية العالم.

أهداف إماراتية

وبخصوص موقف الإمارات الحقيقي مما يجرى، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، إن "الحوثيين والمجلس الانتقالي بينهما مصالح وتخادم، واتفاق على هدم مشترك للشرعية (الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا) والسيطرة على مناطق وجودهم في الشمال والجنوب".

وأضاف شمسان في حديث لـ"الاستقلال" أن "الإمارات تريد إبقاء السعودية في صراع مع الحوثيين حتى هي تتفرغ للمناطق الجنوبية، وأن تصبح الأولى مستنزفة من الثانية، على تقدير أن أبوظبي تخلت عن الرياض في مرحلة ما، رغم أنهما أنهوا السلطة الشرعية وأوقفوا معا الجيش الوطني اليمني عند تخوم صنعاء وأبقوا مدينة تعز محاصرة من الحوثي".

وتابع: "السعودية والإمارات دخلتا في حرب خدمات بحيث تكون هناك نقمة ضد كل ما هو وحدوي وضد السلطة الشرعية ووافقوا على إنشاء مليشيات في البلاد، لكن الآن الإمارات تريد المزيد من الوقت لاستنزاف السعودية حتى تكمل مشروعها بالسيطرة على جنوب اليمن".

ورأى شمسان أن "الإمارات لا تستطيع عرقلة الحوار الحوثي السعودي، لأن مشروعهم برمته لن يكتب له الحياة، نظرا لأن اليمن بأكمله سيدخل في مرحلة حرب شرس أكثر مما كانت عليه سابقا".

وعزا الخبير اليمني ذلك إلى أنه "إذا وقعت السعودية والحوثيون على اتفاق، فإن كل الأطراف اليمنية لن تقبل به، سواء من القوى الوطنية اليمنية، وحتى دولة الإمارات، إذ ستعلن في وقتها أن ما يحدث من اتفاقيات هو شأن شمالي ومتعلق بالمملكة، ولا علاقة له بمناطق الجنوب اليمني".

وأشار إلى أن "الإمارات تريد مزيدا من الوقت لإحكام السيطرة على الجنوب، لأنها تخشى قبل أن تُثبّت أوضاع المجلس الانتقالي، أن يتوجه الحوثيون نحو المناطق الجنوبية بعد توقيع الاتفاقية مع السعودية، هذا ما سيحدث تحت شعار الحفاظ على الوحدة اليمنية".

وبحسب الخبير اليمني، فإن "الحوثي سيرفع شعار إخراج المحتل الأجنبي المتمثل بالسعودية والإمارات من البلاد، وبالتالي المعركة مستمرة ولن تتوقف، لكن هناك كتلة وطنية جمهورية لن تصمت كثيرا لأنها تشعر بالتهديد الحقيقي على وحدتها وسيادتها".

وأوضح شمسان أن "الكتلة الجماهيرية الصامتة في اليمن، الواسعة بجغرافيتها وكثافتها السكانية ترفض مشاريع الانفصال، أو إعادة اليمنيين إلى عصر الإمامة، وبالتالي فإنها حتما ستتحرك خلال تداعيات المرحلة المقبلة، لذلك نحن أمام واقع معقد في اليمن".

ومنذ سبتمبر 2014، تسيطر مليشيا الحوثي على عدد من المحافظات وسط وشمال البلاد، بينها العاصمة صنعاء، ودخل تحالف عربي بقيادة السعودية في 26 مارس 2015، الحرب معها دعما لقوات الحكومة الشرعية.