فرصة مكلفة.. أسباب تمنع عودة نظام الأسد للجامعة العربية

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم هرولة عدد من الدول العربية نحو التطبيع مع النظام السوري ومحاولات إعادته إلى جامعة الدول العربية، إلا أنَّ تلك الخطوات اصطدمت بإرادة أخرى ترفض عودة غير مشروطة يسعى إليها بشار الأسد بعد المجازر المروّعة التي ارتكبها بحق المدنيين في سوريا.

وفي ظل هذه التباينات في المواقف الرسمية العربية، تبقى التساؤلات الأبرز هي: هل قرار عودة الأسد مرهون فعلاً بمدى تجاوب الأخير مع شروط وضعتها جامعة الدول العربية؟ وما هي الأهمية التي تُشكّلها "الجامعة" بالنسبة للنظام السوري؟

تراجع المواقف

اتخذت جامعة الدول العربية في عام 2011 قراراً بإبعاد سوريا عن "الحضن العربي" وذلك على إثر استخدام نظام بشار الأسد العنف ضد الثورة الشعبية التي جاءت ضمن سلسلة ثورات شعبية اندلعت ببلدان عربية عِدَّة أطلق عليها الربيع العربي.

وفي 2013 وافقت القمة العربية التي عُقِدت في الدوحة على تسليم المقعد للمعارضة السورية، إلا أنَّه عاد شاغراً بقمة شرم الشيخ في مارس/آذار 2015، وأُعيد وضع علم النظام السوري، في خطوة ألْغَت أحقِّية المعارضة بمقعد جامعة الدول العربية.

الخطوة المصرية بقيادة عبدالفتاح السيسي، أتت منسجمة مع مواقف العراق والجزائر وسلطنة عُمان ولبنان الذين رفضوا منذ البداية إلغاء عضوية سوريا في الجامعة العربية، بعدها توالت المواقف الداعمة لنظام الأسد.

إذ أعادت البحرين ودولة الإمارات افتتاح سفاراتهما في دمشق، وكذلك الأردن أعاد التمثيل الدبلوماسي بين عمّان ودمشق، سبقتها زيارة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير إلى سوريا ولقائه برئيس النظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وخفَّف المغرب من لهجته أيضاً بشأن سوريا، حيث أشار وزير الخارجية ناصر بوريطة في يناير/ كانون الثاني 2019، إلى دعم دعوات من بعض الدول العربية إلى عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

وكذلك تونس، سبق لها أن أيّدت على لسان وزير خارجيتها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فقال خميس الجهيناوي خلال تصريح له في يناير/كانون الثاني الماضي، أنَّ "المكان الطبيعي" لسوريا هو داخل جامعة الدول العربية.

وفي المقابل، لا تزال دول عربية مهمة رافضة لعودة نظام الأسد إلى مقعد الجامعة العربية، ولعل أبرزها السعودية وقطر والكويت، الذين يرون أنَّ الوقت لم يحن بعد، وأنَّه ثمَّةَ شروط ينبغي على النظام الأخذ بها قبل ذلك.

وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد أعلن في مارس/آذار 2019، أن "لا تغيير في الموقف السعودي بشأن فتح السفارة في دمشق، كما أنَّ إعادة سوريا للجامعة العربية مرهونة بالتقدُّم في العملية السياسية".

شروط للعودة

لكنَّ وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم وصف عقب ترأّسه للجلسة الأولى للمجلس الوزاري للجامعة في 10 سبتمبر/أيلول الجاري، بأنَّ تحفُّظات بعض الدول على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بأنها "بسيطة". 

وقال الحكيم، خلال مؤتمر صحفي عقده مع الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط: إنَّ "التحفُّظ  بسيط، ونتوقع من الحكومة السورية أن تعلن عن بعض الإجراءات للشعب السوري، ونعتقد أنَّ الإخوة المُتحفِّظين عليها ينتظرون هذه الإجراءات".

وأوضح، أنَّ "تلك الإجراءات تتعلق بعودة النازحين إلى ديارهم، وإعفاء المطلوبين للخدمة العسكرية، وإجراءات بسيطة أخرى، تشمل ما يسمى باللجنة الدستورية".

وشدَّد على أنَّ العراق لم يكُن موافقاً على تعليق عضوية سوريا منذ البداية، مشيراً إلى أنها ليست فقط دولة مؤسسة للجامعة العربية، بل هي "محور من محاور العالم العربي وقوة أساسية فيه".

ترك إيران

فشل المحاولة الجديدة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، سبقها إخفاق قبل انعقاد القمة العربية بتونس في مارس/آذار الماضي، إذ صرّح الأمين العام للجامعة من بيروت في 11 فبراير/ شباط الماضي، أنَّ الأمر سيُبحث في اجتماع وزراء الخارجية العرب.

أبو الغيط قال في وقتها، إنَّه "لا يوجد توافق بين الدول الأعضاء قد يسمح بعودة عضوية سوريا التي جرى تعليقها عام 2011". وأردف: "أتابع بدقة شديدة جداً هذا الموضوع، ولكنني لم أرصُد بعد أنَّ هناك خُلاصات تقود إلى التوافق الذي نتحدث عنه والذي يمكن أن يُؤَدِّي إلى اجتماع لوزراء الخارجية العرب يُعلنون فيه انتهاء الخلاف وبالتالي الدعوة إلى عودة سوريا لشَغْل المقعد".

وعند سؤاله عن فُرص إعادة سوريا إلى الجامعة، أشار أبو الغيط إلى أنَّه من المقرر أن يعقِد وزراء خارجية الدول الأعضاء اجتماعين قبل القمة. وتابع قائلاً: "لكنَّ المسألة ليس في الوقت المسألة هي إرادة أي توافق الدول فيما بينها، يجب أن يكون هناك توافق لكي تعود سوريا".

ومضت القمة العربية الثلاثين في تونس، خلال مارس/آذار الماضي، دون إدراج إعادة سوريا إلى الجامعة العربية على جدول الأعمال، فقد قال الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي إنَّ "عودة سوريا مرتبطة بوجود توافق لدى الدول الأعضاء على موقف نظام بشار الأسد فيما يتعلق بالتسوية السياسية وبالعلاقة مع إيران".

ورداً على ذلك، استهجن القائم بالأعمال السوري في الأردن أيمن علوش، فكرة أن تُضحِّي بلاده بإيران، التي وقفت مع النظام السوري، مقابل العودة إلى جامعة الدول العربية، بالقول: "لقد وثَّقنا علاقاتنا مع إيران بعد انتصار الثورة بسبب مواقفها المُشرِّفة من القضية الفلسطينية، وتوثقت هذه العلاقات مع وقوف إيران مع سوريا خلال الحرب على سوريا".

وتساءل علوش: "كيف يمكن أن نُضحِّي بمن وقف مع سوريا والعرب لصالح الأنظمة التي تآمرت على سوريا وتذهب إلى إقامة علاقات مع المُحتل وتعتبره الصديق الصدوق، في حين تعتبر من يقف ضد هذا المحتل عدواً".

ماذا عن النظام؟

وإذا ما عدنا إلى الشروط التي وضعتها جامعة الدول العربية لعودة سوريا إلى مقعدها، يبقى السؤال الأبرز هو: ما رأي نظام الأسد فيها، وهل سيعمل على التجاوب معها تمهيداً لتنفيذها؟

وتعليقاً على ذلك، قال عمار الأسد، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب السوري التابع للنظام، إنَّ عودة سوريا هي قوة للعمل العربي المشترك، وقد لاحظ العرب جميعاً أنَّه قد تمَّ الانفراد بكل دولة بعد غياب دمشق، ومشى الكثير منهم في الركب الأمريكي المتآمِر على سوريا والأمة العربية.

وأشار إلى أنَّ "سوريا لديها قرارها المستقل وليست بانتظار قرار يقال لها فتعود على الفور، سوريا لها رؤيتها فيما يتعلق بمستقبل العمل المشترك، وإذا كانت الطروحات العربية بشأن العودة تتماشى مع رؤية القيادة السورية وما يخدم العمل المشترك، عندها يتمُّ النقاش حول مثل هذه الأمور".

وأكَّد رئيس لجنة العلاقات الخارجية، أنَّ "موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربية ليس مرتبطاً فقط بالقرار العربي، فقد عُلِّقت عضوية سوريا بسبب تآمر بعض العرب مع أمريكا ومن يدور في فلكها، وكان هذا أيضاً بداية لضرب ليبيا وتدميرها وحرب اليمن والكثير من الكوارث التي حلَّت بالأمة من هزائم ومواقف غير مشرفة".

ولفت الأسد إلى أنَّ "الذين خططوا لتعليق مقعد سوريا وحديثهم اليوم عن ضرورة عودة سوريا، هو اعتراف بالخطأ، وعندما تُعيد جميع الدول العربية التي تسير في الركاب الأمريكي سفاراتها إلى دمشق، وقتها يمكننا أن نتحدث عن العودة إذا رأت القيادة السياسية ذلك".

قرار مرهون

من جهته، قال مصدر مسؤول في المعارضة السورية (رفض الكشف عن هويته) في حديث لـِ"الاستقلال" إنَّ "هرولة بعض البلدان مثل الإمارات والبحرين والأردن للتطبيع مع نظام الأسد، لم يُفلح في إعادة النظام إلى الجامعة العربية، لأنَّ إرادة الولايات المتحدة الأمريكية لم تحن بعد".

وأوضح المعارض السوري، أنَّ "الولايات المتحدة الأمريكية نبَّهت الدول العربية إلى أنَّ عودة نظام الأسد مرهون بتغييرات في ممارسات النظام وحلفائه على الأرض".

وأكَّد، أنَّ "الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى فرض نفسها في المعادلة السورية، وخصوصاً أنها موجودة على الأرض وتدعم الأكراد هناك، وأنَّ عودة النظام السوري دون تقديم تنازلات تصُبُّ في مصلحة واشنطن، أمر غير ممكن".

ولفت المعارض السوري إلى أنَّ "الخطاب السعودي هو الأقرب لما تطرحه واشنطن، فالمملكة كانت في بداية الأمر ترفض بقاء بشدة بقاء الأسد في السلطة، وبعدها تحدثت عن حلول سياسية، واليوم لا تفكر أصلاً في ازاحته، وهذه التراجعات كلها بناء على سياسات الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية".

كسب الشركاء 

وحول أهمية عودة سوريا إلى الجامعة العربية بالنسبة لنظام بشار الأسد، قالت مجلة "إنترناشيونال إنترست" الأمريكية في تقرير لها أنَّ تعليق عضوية سوريا من الجامعة العربية عام 2011، إنَّ الهدف الأول لنظام الأسد هو محاولة الانضمام إلى جامعة الدول العربية وبالنظر إلى التاريخ الطويل للنظام في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، فإنَّ اكتساب مصداقية دولية مع الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة يبدو صعباً للغاية.

وأكَّدت أنَّه إذا تمكَّنت سوريا من الانضمام إلى جامعة الدول العربية، فيُمكنها بعد ذلك كسب شركاء إقليميين يرغبون في إنهاء الحرب والاستثمار في إعادة البناء. وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

ورأتِ المجلة الأمريكية إلى أنَّ الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف هي تحسين العلاقات الثنائية بين سوريا وجيرانها العرب، مثل الإمارات إلا أنَّه بسبب أنَّ بشار الأسد، الذي من المقرر أن يظلَّ في السلطة، أصبح منبوذاً دولياً، وقد رفضت كل من السعودية وقطر، وكلاهما من القوى الكبرى في جامعة الدول العربية، الاعتراف بسوريا تحت سيطرته.

ولفتت إلى أنَّ النظام السوري يحتاج إلى العمل مع دول عربية أخرى مثل الإمارات لإعادة بناء سوريا بطريقة بناءة، حيث يتحتمُّ إقناع بقية دول جامعة الدول العربية بأنَّ سوريا لم تعُد تهديداً إقليمياً.