واشنطن تتجه غربا.. ما مؤشرات تراجع الاهتمام الأميركي بـ"قسد"؟

15773 | منذ ١١ يومًا

12

طباعة

مشاركة

مع كل تركيز جديد للولايات المتحدة على ملفات دولية واضطرارها لبدء دعم مالي وعسكري سخي لحلفائها، تبدأ حليفتها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، العزف على نغمة الخشية من تضرر نفوذها؛ نتيجة لتقليص الدعم الأميركي.

إذ باتت قسد المدعومة من واشنطن والتي تعد المظلة العسكرية لـ “الإدارة الذاتية” شمال وشرق سوريا، قلقة على مستقبل نفوذها، ولا سيما عقب التطورات الأخيرة في قطاع غزة.

على سبيل المثال، أبدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التزامها الشديد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدعم إسرائيل عسكريا ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بما يضمن تفوقها النوعي بالمنطقة.

وقد أثرت هذه الخطوة الأميركية بشكل مباشر على تمويل واشنطن كذلك لأوكرانيا التي تصد الغزو الروسي المستمر عليها منذ فبراير/شباط 2022، وعانت كذلك من تراجع الدعم الأميركي لها.

استجداء قسد

ولهذا خرج زعيم مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، وحذر من أن عودة "تنظيم الدولة" أصبحت "وشيكة" شمال شرقي سوريا.

وفي مقابلة أجراها مع موقع "المونيتور" الأميركي، قال عبدي في 11 أبريل/نيسان 2024، إن “تنظيم الدولة يستغل القضايا الأمنية المتصاعدة في الشرق الأوسط”.

وأضاف أنه يجب على الولايات المتحدة "الالتزام بالمشاركة الهادفة مع الحكم الذاتي" في شمال شرقي سوريا، ودعم قوات "قسد" في قتالها ضد تنظيم الدولة.

واستدرك قائلا: "يجب أن نتلقى دعما ماليا أكبر بكثير من حلفائنا، لكن العكس هو ما يحدث، حيث تتقلص الأموال أكثر، وتصميم التحالف على هزيمة تنظيم الدولة يضعف أكثر".

وأوضح عبدي أنه مع "تركيز الولايات المتحدة على الحرب الإسرائيلية على غزة، من المتوقع أن يزيد تنظيم الدولة هجماته ضد قسد، ويستعيد قوته بعد أن وسع بالفعل وجوده في المناطق التي يسيطر عليها النظام في الصحراء السورية".

ورأى أن “تنظيم الدولة يستغل نقاط الضعف الناجمة عن رفض الولايات المتحدة الاعتراف رسميا بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا كشريك في التواصل في التحالف الدولي ضد التنظيم، على الرغم من التحالف بين قسد وواشنطن”.

وتدخل الجيش الأميركي بسوريا في سبتمبر/أيلول 2014، لتنفيذ ضربات جوية ضد تنظيم الدولة، واعتمد حينئذ على مجموعات كردية لقتال التنظيم شرق نهر الفرات.

وبعد فترة وتحديدا في أكتوبر 2015 تأسست قوات "قسد" بخليط من المكونين العربي والكردي وبعض الإثنيات وأصبحت قوة برية لواشنطن على الأرض ودعمتها بالأسلحة والغطاء الجوي.

ويبلغ تعداد قوات قسد نحو 45 ألف مقاتل ومقاتلة على أقل تقدير، أكثر من نصفهم من العرب، حسب بيان لوزارة الدفاع الأميركية.

وقد أعلنت واشنطن القضاء على تنظيم الدولة في مارس/آذار 2019 في آخر معاقله في قرية الباغوز بدير الزور، حينما استسلم الآلاف من عناصره وقادته وعوائل التنظيم وجرى الزج بهم في سجون ومخيمات تديرها "قسد" بدعم من الولايات المتحدة.

إلا أن خلايا تنظيم الدولة المنتشرين في المناطق الصحراوية غير المأهولة ما يزالون ينفذون هجمات ضد "قسد". 

وأمام ذلك، تنظر قسد للعلاقة مع دول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة واشنطن على أنها مصيرية وتضمن استمرارها لأنه يعد المصدر الرئيس لدعمها المالي والعسكري واللوجستي.

طوق ثلاثي

إذ تقول قسد بشكل رسمي، إن مناطق "الإدارة الذاتية" شمال شرقي سوريا، تهاجم من قبل ثلاثة أطراف هي تركيا والنظام السوري وتنظيم الدولة.

وهي بذلك أي "قسد" ترمز إلى تهديد الوجود الأميركي شمال شرقي سوريا، والذي يتركز نفوذها في مناطق محددة بثلاث محافظات هي “الحسكة ودير الزور والرقة”، حيث تتمركز القوات الأميركية في نحو 18 قاعدة ونقطة عسكرية هناك.

وتعلل واشنطن وجودها هناك بمحاربة تنظيم الدولة وحماية آبار النفط، لا سيما أن "قسد" تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا.

وأفاد المتحدث الإعلامي باسم "قسد" سايمند علي، في 25 فبراير/شباط 2024 بأن عمليات قوات "قسد" المضادة للتنظيم تشير إلى أن الأخير بدأ بجمع صفوفه.

لكن على ما يبدو فإن قوات "قسد" بدأت تتلمس تراجع التركيز الأميركي على مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، خاصة عقب الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين منذ أكتوبر 2023.

ولا سيما أن الجانب التركي زاد من وتيرة ضرباته لمناطق قوات قسد في الفترة الأخيرة، في تكتيك عسكري يجعل الأخير أمام ضغط كبير  بعد تأجيل أنقرة عملية عسكرية كانت تنوي شنها ضدها شمال شرقي سوريا عام 2022.

فمنذ مطلع عام 2024، ركزت تركيا على مهاجمة مواقع قسد بالمسيرات واستهداف عناصرها القيادية وتصفيتهم، كما استهدفت بشكل خاص منشآت نفطية وغازية وبنية تحتية.

ويرى خبراء ومحللون أن الطائرات المسيرة التركية تشل حركة "قسد"، وأن أنقرة ستستمر بحرب المسيّرات حتى توفر ظروف القيام بتوغل بري.

ورأى مركز جسور للدراسات، أن الهجمات التركية الأخيرة منذ فبراير 2024 عكست زيادة في مستوى الاختراق الأمني للاستخبارات التركية داخل مناطق انتشار قسد وحزب العمال الكردستاني في سوريا.

ونوه المركز إلى أن ذلك قد يؤدي "لسلسلة عمليات اغتيال لقيادات من الصف الأول أو الثاني في الحزب والتنظيمات التابعة له في سوريا، خاصة تلك المتورطة في عمليات عسكرية أو أمنية ضد مصالح عسكرية أو مدنية تركية".

وراح يقول: "تهدف هذه الضربات التركية إلى تنفيذ المزيد من الهجمات على الموارد الاقتصادية لقسد واستنزاف قياداتها العسكرية والأمنية".

وترفض تركيا وجود كيان انفصالي عند حدودها الجنوبية، وقد أفشلت ذلك بفضل التعاون مع فصائل الجيش الوطني السوري المعارض.

أسباب التخوفات

وضمن هذا السياق، رأى الصحفي السوري، حسن الشريف، أن "مليشيا قسد تحاول الاسترشاد بمآلات الحرب الأوكرانية وضعف التمويل الأميركي الذي أدى في بعض النواحي شرقي البلاد لميل الكفة لروسيا عبر قضم مزيد من الأراضي واحتلالها".

ويطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمساعدات لتمكين القوات الأوكرانية التي تعاني شحا متزايدا في الذخيرة، من التصدي لروسيا.

لكن الانقسامات السياسية في واشنطن تعرقل إقرارها ولا تزال المساعدات التي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار مجمدة في الكونغرس الأميركي.

وأضاف الشريف لـ "الاستقلال": "إن مليشيا قسد تتأثر بشكل مباشر وسريع بأي انشغال أميركي إضافة للدول الأوروبية في ملفات جديدة وخاصة الساخنة منها مثل حرب غزة".

ومضى يقول: "قسد تعاني من توترات داخلية ومركبة ولهذا يضعفها على المستوى السياسي أي تراجع في التواصل الدولي معها". 

واستدرك: "لهذا تخشى قسد راهنا أن تطول التوترات في فلسطين وتحوز إسرائيل كامل الدعم الأميركي ما يشكل ضغطا كبيرا على نفوذها وخاصة من ناحية توارد السلاح والعتاد وهي نقطة مهمة لها تبعات أمنية". 

وراح يقول: “تتمثل تلك التبعات أولا في خشية قسد من تآكل البيئة الحاضنة لها شمال شرقي سوريا مع مرور الوقت مما يسمح بمزيد من الضغوط عليها لتقديم تنازلات إلى نظام بشار الأسد الذي تجري معه مفاوضات برعاية روسية حول شكل المنطقة في شمال شرق سوريا”.

وهناك مفاوضات بين الأسد وقسد برعاية روسية حول مصير المناطق الواقعة تحت سيطرة الأخير في شمال شرقي سوريا.

ويأتي ذلك على الرغم من أن غالبية شروط النظام مرفوضة من قسد كونها تضعف سلطتها هناك لصالح الأسد.

 ولا سيما في قطاع النفط الذي يعد المورد الأساسي لهذه المليشيا راهنا ورغبة دمشق بإدارة المعابر الحدودية بمحافظة الحسكة مع العراق، وفق الشريف.

ونوه إلى أن "العامل الذي ما تزال تخشاه قسد هو حراك العشائر العربية التي انتفضت ضدها، فلولا الدعم والموقف الأميركي لخسرت سيطرتها على كامل مناطق دير الزور التي تسيطر عليها في القسم الأيسر من نهر الفرات".

ومنذ عام 2012 ينظر إلى "الإدارة الذاتية" على أنها تحكم بقوة السلاح الأميركي وأنها ما هي إلا سلطة أمر واقع غير شرعية وهي اليوم تواجه "حربا مفتوحة" من قبل العشائر العربية في دير الزور.

وفي 27 أغسطس/آب 2023 انتفض أبناء عدد من أبناء العشائر العربية في القسم الأيسر من نهر الفرات بمحافظة دير الزور ضد "قسد"، وحملوا ضدها السلاح وطردوها من عدد من القرى والبلدات هناك، قبل أن تتدخل واشنطن لتهدئة الأمر وتوقف الاشتباكات.

وحينها كان هدف العشائر العربية حسب بيان لهم وضع حد لسياسات "قسد" الدخيلة على المنطقة العربية وانتهاكاتها بحقهم، وسرقتها لخيرات المنطقة من النفط والغاز.

وطالبت العشائر العربية آنذاك التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإنشاء “إدارة مدنية مستقلة تتخذ سياساتها بشكل مستقل لإدارة المنطقة دون تأثير من قسد وغيرها”.

وأمام ذلك، فإن "الإدارة الذاتية" الكردية فشلت في كسب الاعتراف السياسي الدولي بها، إلا أنها ما تزال تعمل على تثبيت دورها في شمال شرقي سوريا.

إذ لجأت "الإدارة الذاتية" الكردية في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى شركة العلاقات العامة "Brownstein Hyatt Farber Schreck" لتسيير أنشطة الضغط "اللوبي" في الولايات المتحدة.

ووفقا للعقد المبرم، الذي كشفت عنه وكالة الأناضول الرسمية التركية، فإن الشركة ستعمل على إقناع وتوعية أصحاب القرار في الإدارة الأميركية بأن ما يسمى "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هي الخيار الأمثل لإيجاد حل دائم للأزمة السورية".

وكذلك ينص على التزام الشركة بتنظيم اجتماعات مع قادة مجلسي النواب والشيوخ وكبار المسؤولين في وزارات الخارجية والدفاع والتجارة الأميركية، وممارسة فعاليات الضغط لتشجيع الاستثمار في شمال شرق سوريا.

وتطالب "الإدارة الذاتية" المجتمع الدولي بـ "اعتراف دولي بمناطقها وإضفاء الشرعية على المؤسسات والقوات العسكرية المنتشرة" شمال شرقي سوريا، إلا أن المعارضة السورية ترفض ذلك وتنظر إليه على أنه "مشروع انفصال ويمزق وحدة التراب السوري".