"الطاقة والصين وترامب".. ما خيارات أوروبا للتعامل مع اقتصادها المترنح؟

15322 | منذ ١٨ يومًا

12

طباعة

مشاركة

صدمة ثلاثية يواجهها الاقتصاد الأوروبي، فبعد أزمة الطاقة، هناك زيادة في الواردات الصينية، وتهديدات بفرض رسوم جمركية من قبل المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب إذا ما أعيد انتخابه، وكل ذلك بينما تواجه الدول الأوروبية نموا اقتصاديا ضعيفا.

وتطرح تساؤلات في الوسط الاقتصادي حول امتلاك أوروبا الوسائل اللازمة لمقاومة موجة الواردات الرخيصة من الصين.

نقاط الضعف

وفي هذا السياق، قال الخبير في الاقتصاد الدولي، جان مارك سيروين، لموقع "أتلانتيكو" الفرنسي إن "أوروبا لم تخرج بعد من أزمة جائحة كورونا، كما أنها لم تخرج كذلك من الأزمة الأوكرانية التي تحولت إلى أزمة طاقة".

وأشار إلى أن "العجز العام المتراكم يحد حاليا من الحيز المتاح للمناورة". 

وبخصوص الولايات المتحدة، قال الخبير الاقتصادي: "يجب ألا نبالغ في تقدير واشنطن، التي يعمل اقتصادها بشكل جيد للغاية ولكن بفضل الطاقة الرخيصة، وتنشيط صناعتها بالإعانات".

أما بالنسبة للصين، فأفاد سيروين بأن "عدوانيتها الواضحة ترجع إلى إعانات الدعم الضخمة التي تؤدي إلى الطاقة الفائضة، ثم تحاول الشركات الصينية العثور على منافذ تصدير لأنها لا تستطيع العثور على ما يكفي من الاستهلاك في المنافذ المحلية، حتى لو كان ذلك يعني خفض هوامش أرباحها".

وتابع: "وعلى هذا، فإن هذه البلدان لم تنته من مشاكلها الاقتصادية أو نقاط ضعفها البنيوية".

وأردف: "لاحظ أنه في عام 2023 انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من الصين بشكل حاد (18 بالمئة)، وفي الوقت الحالي على الأقل، لا توجد موجة مد صينية، ولا أميركية". 

كذلك تساءل موقع "أتلانتيكو" عن العواقب التي قد يتحملها الاقتصاد الأوروبي نتيجة للتهديد الذي يلوح به ترامب في حالة إعادة انتخابه بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم، وربما بما في ذلك الواردات من أوروبا.

وأجاب سيروين بأن "ترامب قد فعل ذلك سابقا بالفعل".

وأردف: "لذا، فإن التهديد بفرض رسوم إضافية بنسبة 10 بالمئة على جميع المنتجات، من حيثما أتت، أمر جدير بالثقة حتى لو كان تنفيذه سيواجه مقاومة عدد كبير من الشركات التي ستدفع سلعا وسيطة مستوردة أكثر تكلفة وتجعل منتجاتها أكثر تكلفة".

وتابع: "ليس لدي أدنى شك في أن أوروبا ستتخذ بعد ذلك إجراءات انتقامية، وستبدأ المواجهة مع الولايات المتحدة".

ولفت سيروين إلى أن "الأمر الأسوأ هو أن هذا لن يكون موضوع التوتر الوحيد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فمن الواضح أننا نفكر في الدفاع وحلف شمال الأطلسي، ومن الممكن أيضا أن يكون الالتزام الأميركي بالتحول البيئي موضع تساؤل".

وشدد على أن "لا أحد سيستفيد من هذه النزعة الحمائية المتجددة"، قائلا: "لقد عرفنا منذ فترة طويلة (على الأقل منذ ثلاثينيات القرن العشرين) أن الحروب التجارية هي ألعاب يخسر فيها الجميع، وليس من المؤكد أن هذا سيكون كافيا لردع ترامب".

المفاجأة الكبرى

وعن العقبات الرئيسة التي تمنع أوروبا من تحقيق نمو قوي، قال سيروين إن "الانفصال الشديد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كان بمثابة المفاجأة الكبرى في الأعوام العشرة الماضية". 

ولتوضيح الفارق بين واشنطن والاتحاد الأوروبي، قال الخبير الاقتصادي: "بوسعنا أن نطرح أسبابا تتعلق بالاقتصاد الكلي، فالأسر الأميركية تدخر القليل وتستهلك الكثير، وهذا هو الحال أيضا بالنسبة للإنفاق الفيدرالي، والأمر على العكس تماما بالنسبة للاتحاد الأوروبي". 

وأردف: "لذلك فإن المفاجأة لا ينبغي أن تأتي من فجوات النمو بقدر ما تأتي من قدرة الولايات المتحدة على دعم اقتصادها بقدر قوة العمل النادرة والتضخم الخاضع للسيطرة (2.5 بالمئة)". 

وأضاف: "لقد استثمرت الولايات المتحدة الكثير في الأبحاث والمعدات، ومازالوا يهيمنون على الصناعات الرئيسة".

وتابع: "تجدر الإشارة إلى أن انخفاض معدلات النمو الأوروبي مقارنة بمعدلات النمو في الولايات المتحدة يتزامن مع انخفاض الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي (والانخفاض في فرنسا) عندما تتحسن في الولايات المتحدة". 

ويعتقد أن الأسباب المحتملة لذلك هو أن "الدول الأوروبية استثمرت بشكل أقل في التقنيات الجديدة والبحث والتطوير، وتزايدت شيخوخة سكانها، ومستويات التدريب آخذة في الانخفاض".

وعند هذه النقطة، تساءل الموقع الفرنسي: "هل تؤدي الأخطاء التي يرتكبها صناع السياسات الأوروبيون أو سياسات البنك المركزي الأوروبي إلى تفاقم الوضع بشكل كبير وإغراق أوروبا في صعوبات اقتصادية جديدة؟".

وهنا أجاب سيروين: "لعل الخطأ الرئيس الذي ارتكبه القادة هو عدم إدراكهم أنه عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في الأنشطة المعززة للنمو أو البنية الأساسية، فإن التورط في الديون ليس عملا مقدسا. وعندما تفعل الدول الأوروبية ذلك، فإن ذلك لا يكون دائما بهدف تمويل الاستثمار".

واستطرد: "من هذا المنطلق، فإن خطة التعافي الأوروبية، التي تبلغ قيمتها الأولية 750 مليار يورو، تستحق التقييم، وتجديدها إذا لزم الأمر".

وأضاف: "أما بالنسبة للسياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي، فقد استغرق تخفيف سياسته النقدية وقتا طويلا للغاية رغم تباطؤ التضخم بسرعة أكبر من المتوقع".

وأوصى قائلا: "نأمل ألا يرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما قام بتشديد سياسته النقدية بسرعة أكبر مما ينبغي، ولفترة أطول مما ينبغي".

وعن ماهية الحلول أمام أوروبا لمواجهة هذه الصدمة الاقتصادية الثلاثية، أشار الخبير إلى مفارقة تحدث وهي أن "الكثيرين يتمنون أن يقلل الاتحاد الأوروبي من تدخلاته في الوضع الاقتصادي، وذلك في الوقت الذي ينتقدونه أيضا لأنه لم يتدخل بشكل أكبر". 

كما أوضح نقطة قوة تمتلكها أوروبا، وهي أن "الأوروبيين يدخرون الكثير -أقل من الصينيين-، لكنهم أكثر بكثير من الأميركيين". 

ويعتقد أن "استخدام هذه المدخرات الوفيرة في تمويل الاستثمارات الأوروبية اللازمة لخطة التعافي الاقتصادي سيكون أمرا جيدا، بدلا من تمويل هذه الاستثمارات من الدين العام والاستثمارات قصيرة الأجل".

وشدد على أن "المزيد من التكامل بين الأسواق المالية الأوروبية من شأنه أن يجعل الأمور أسهل".