ما الثمن الذي ستدفعه أرمينيا لتصبح قاعدة أمامية للنفوذ الغربي في القوقاز؟

15322 | منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

مع موافقة أرمينيا على إعادة 4 قرى كانت احتلتها خلال حرب "قره باغ" الأولى (1988ـ 1994) إلى أذربيجان، بدا الجانب الروسي منزعجا من هذه الخطوة.

نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية بالخارجية الروسية، أوليغ كاربوفيتش، زعم في مقال نشرته صحيفة "إزفستيا" المحلية، أن "سحب قوات حفظ السلام الروسية من قره باغ أتاح كل الفرص لتحديد بداية عصر جديد في المنطقة الممزقة بالصراعات طويلة الأمد".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها بدأت بسحب قوات حفظ السلام بإقليم قره باغ، وهي وحدة تم إرسالها إلى المنطقة عقب صراع عام 2020 في جنوب القوقاز.

عيش بسلام

وأوضح كاربوفيتش أن هناك إمكانية لبناء واقع جديد يسوده التعايش بين أرمينيا وأذربيجان، إذ "لدى السياسيين في البلدين فرصة فريدة لتغيير صفحة الأحداث المحزنة ومحاولة بناء حوار بناء ومجدٍ بشكل جديد".

وأشار إلى أن “روسيا، بالطبع، مستعدة لتقديم كل الدعم اللازم لهم”، وأنه "يمكن التعايش بسلام بين الشعبين الأرميني والأذري".

وقال المسؤول الروسي إن "الخطاب القومي الدعائي الذي يدعي أن هذين الشعبين محكومان بالصراع الأبدي هو استغلال واضح لنقاط الألم المتبادلة ورغبة واضحة من بعض الأشخاص في بناء مسيرتهم المهنية على أساس التحريض لتأجيج الصراع المستمر".

ويستمر الكاتب في الترويج لفكرته الرئيسة بأن الاتحاد السوفيتي كان سببا رئيسا في السلام بين الشعبين الأرمني والأذربيجاني، حيث يدعي أن "الذين عاشوا في زمن الاتحاد السوفيتي يتذكرون جيدا كيف عاشت عدة أجيال من سكان إقليم قره باغ في نفس المدن والقرى بسلام". 

ولفت إلى أن هذا الحال كان "مماثلا لحالة السلام في باكو ويريفان وغيرها من المدن".

دور المعسكر الغربي

وحول الدور الغربي في الصراع، قال: "من المؤسف أن الجهود الطويلة الأمد التي بذلها الغرب لإثارة الوضع في الاتحاد السوفيتي من خلال إثارة المواجهة بين الأعراق والأديان في جميع أنحاء الاتحاد قد آتت ثمارها المأساوية". 

وتابع: "ساهم المتطرفون في اندلاع اشتباكات لا معنى لها، والتي دفعت في نهاية المطاف الجمهوريتين المتآخيتين إلى صراع عسكري كامل".

وأردف: "وقد لعبت الجماعات المتمردة دورا محزنا في هذه الأحداث، حيث قررت -نظرا لعدم وجود أدوات أخرى لها في الحرب ضد النظام السوفيتي- الاستيلاء على السلطة باستخدام المشاعر الأكثر دناءة لدى أنصارها المتحمسين".

وأكمل كاربوفيتش اتهاماته للغرب قائلا: "لقد لعب الديمقراطيون المناهضون للشيوعية في الماضي، دورا كبيرا في دفع أرمينيا وأذربيجان إلى نقطة اللاعودة، حين أدت النزعة الانتقامية وكراهية العدو إلى سفك دماء طويل وعقيم".

ولفت إلى أنه "لم يستفد من هذا التحول في الأحداث سوى الغرب، الذي استخدم الصراع في قره باغ لتدمير الاتحاد السوفيتي، ثم لإضعاف مواقف روسيا في الدول المجاورة".

وحول المشهد الراهن، انتقد المسؤول في الخارجية الروسية حسم أذربيجان القضية عسكريا، إذ يعتقد أنه "ليس من المناسب التصفيق لقرار باكو بالانسحاب من عملية التفاوض وحسم قضية قره باغ بالقوة".

الموقف الأرميني

ووجه الكاتب بعد ذلك سهام النقد لحكومة يريفان التي يرى أن ولاءها بات صوب المعسكر الغربي.

فقال: "لكن هناك المزيد من الأسئلة توجه إلى القيادة الأرمينية، حيث جاء العديد من أعضائها إلى الحكومة برعاية من الصناديق الأميركية والأوروبية".

وذهب كاربوفيتش إلى أبعد من ذلك، حيث اتهم الحكومة الأرمينية بالتخلي عما يعده حقوق مواطني قره باغ الأرمينيين. 

وأضاف أنه "لم يكن يتوقع أحد أنهم سيضطرون إلى التضحية بالسكان الأرمن في قره باغ من أجل الاندماج مع النخب الغربية". 

وأوضح: "فقد أعطى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في البداية أذربيجان الضوء الأخضر لعملية عسكرية من خلال خطاباته، ثم تخلى عن مواطنيه في الجمهورية التي لم تعد موجودة لمصيرهم المجهول، بدلا من النضال من أجل حقوقهم، وحكم على النساء والأطفال وكبار السن بأكبر هجرة عالمية للشعب الأرمني من أراضيهم الأصلية". 

ومع ذلك، ادعى الكاتب أن رعاة قادة يريفان -يقصد أميركا والغرب- لن يكتفوا بذلك. 

ولفت إلى أنهم "يطالبون باشينيان بتحويل أرمينيا إلى معقل للنفوذ الغربي في منطقة القوقاز واتخاذ مواقف معادية لروسيا صراحة". 

وفي هذه النقطة، علق كاربوفيتش قائلا: "نتذكر جيدا إلى أين أدت هذه الخطوط، التي اتبعتها موسكو مع ليفون تير-بيتروسيان، (الأب السياسي) لرئيس الوزراء الأرمني الحالي، في العلاقات مع موسكو، لقد أدت إلى فترة من الصراعات والأزمات الداخلية والمشاكل الاقتصادية".

وأشار إلى أن بيتروسيان "قرر لاحقا التخلي عن موقفه المتصادم مع موسكو"، زاعما أن هذا القرار "أتى بعد أن دفع الشعب ثمنا باهظا لسياساته".

وبالعودة إلى السياسات الحالية، قال الكاتب: "قد تكون محاولات باشينيان وفريقه السير على خطى أوكرانيا ومولدوفا، وتدمير أساس الحوار مع روسيا، لها عواقب أكثر وخامة على أرمينيا".

ويعتقد الكاتب أن الصداقة الأرمينية مع روسيا "لطالما ضمنت موقفا تفاوضيا قويا ليريفان في علاقاتها مع تركيا وأذربيجان". 

وتابع: "بالتضحية بالعلاقات الأخوية من أجل (التربيت الأوروبي على الكتف)، قد ينتهي الأمر بباشينيان بترك مواطنيه الذين وثقوا به في خضوع تبعي للقوى التي لا تهتم بمصالح الشعب الأرمني، بل تهتم فقط باستخدام الأنظمة الضعيفة والعاجزة في إطار الحرب ضد بلدنا".