لماذا تحذر صحيفة عبرية من اتخاذ إسرائيل “مواقف متطرفة” ضد الصين؟

منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

تساءلت صحيفة عبرية عن موقف الصين من الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل ومن خلفه العدوان الذي تشنه تل أبيب على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويحاجج عالم الشؤون الصينية أوري سيلا بأنه "لا ينبغي لإسرائيل اتخاذ مواقف متطرفة ضد الصين، بالرغم من مساعدة الأخيرة لإيران ودعمها الفلسطينيين".

وعزا ذلك إلى ادعائه بأن "الصين في الحقيقة لا تعادي إسرائيل، إنما تتبنى سياستها في المنطقة في إطار صراعها مع الولايات المتحدة".

وهو ما يعني أنها فقط تستخدم إيران ضد أميركا، لكن ليست إسرائيل المقصودة، بحسب تقديره. وهنا يقدم الخبير الإسرائيلي تصورا عن العلاقة الصينية الإسرائيلية في ضوء هذه المحاججة.

السعي للهيمنة

وفي أعقاب الهجوم الإيراني على إسرائيل مساء 13 أبريل/نيسان 2024 ردا على قصف الأخيرة قنصلية طهران في دمشق، تشير صحيفة "كالكاليست" العبرية إلى أن ما حدث هو دليل على أن تل أبيب جزء من محور غربي سني بقيادة الولايات المتحدة. 

وهنا، يتساءل: "هل يصح القول إن على الجانب الآخر يوجد محور مضاد هو إيران وروسيا والصين؟".

ويجيب على هذا التساؤل الخبير الإسرائيلي، أوري سيلا، قائلا: "عندما نتحدث عن الصين، ينبغي للمرء أن يكون حذرا للغاية بشأن ربطها بتكتل أو محور، لأن هذه المصطلحات تشير إلى الدول الأعضاء فيه على أنها تمتلك مجموعة واسعة من المصالح والقيم أو الاتجاهات المشتركة". 

ويضيف أن "الصين ليست دولة تسعى إلى أن تكون جزءا من كتلة، بل تهدف لتحقيق الريادة العالمية، كما أنها لا ترى روسيا أو إيران كشريكتين مساويتين لها". 

"فمن وجهة نظرها، هي تهيمن على علاقاتها مع روسيا وإيران، وتستخدمهما كأدوات لتحقيق أهدافها".

وبشأن كيفية استخدام الصين لهما، يوضح سيلا أنه "على المستوى الاقتصادي، بما أن هناك عقوبات واسعة النطاق على كل من روسيا وإيران، والتي لا توليها الصين أهمية كبيرة، فإنها تستغل الوضع لشراء كميات هائلة من النفط الرخيص من كل منهما". 

وعلى المستوى الإستراتيجي، يقول الخبير إن "إيران هي مرتكز مناهضة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وروسيا هي مرتكز هذه المعارضة في أوروبا". 

وبالتالي، فإن التعاون معهما يخدم الهدف الشامل المتمثل في "إضعاف الهيمنة الأميركية العالمية"، كما أنه يصرف "انتباه واشنطن عما يحدث على أرض الصين-شرق آسيا".

وفي ضوء الدعم الذي تقدمه الصين لإيران، تتساءل الصحيفة العبرية: "هل يمكن أن تدعم بكين طهران بنفس المستوى الذي تدعم به الولايات المتحدة إسرائيل؟".

ويجيب الخبير في شؤون العلاقات الصينية موضحا أنه "لا يوجد تشابه بين العلاقات بين الصين وإيران، ونظيرتها بين إسرائيل والولايات المتحدة". 

فمن وجهة نظره، "الصين ببساطة لا تحافظ على مثل هذه العلاقات". 

ملف التسليح

وبالعودة بالزمن إلى الوراء، لفهم كيف تشكلت العلاقات بين بكين وطهران وتوطدت في أوائل الثمانينيات، يذكر سيلا أن الجمهورية الإسلامية كانت في حالة حرب مع العراق.

وفي ذلك الوقت، في محاولة لتعزيز صناعتها العسكرية وجعلها أكثر ربحية، وكجزء من الإصلاح الضخم الذي بدأ في اقتصادها، رأت بكين أن "هناك قدرا كبيرا من الحروب طويلة الأمد في الشرق الأوسط، والتي كانت بحاجة إلى أسلحة وذخائر رفض معظم العالم تزويدها بها".

ومن هنا، بدأت الصين في تصدير الأسلحة إلى هؤلاء وأولئك، بالإضافة إلى وجود بعض التقارير التي تفيد بأنها ساعدت إيران في برنامجها النووي.

وبعد ذلك، في أوائل التسعينيات، يشير الخبير إلى "نمو الصين بمعدل هائل واحتياجها المزيد والمزيد من الطاقة والنفط، مما دفعها لاتخاذ إيران كمصدر حيوي ومهم لها".

وفي هذه النقطة، تلفت صحيفة "كالكاليست" الأنظار إلى الهجوم الإيراني الأخير، متسائلة: "هل ما سبق ذكره يعني أن وسائل الحرب التي تستخدمها إيران جاءت من الصين؟".

ويرى الخبير الإسرائيلي أنه "من الممكن أن تكون بعض العناصر التي رأيناها في الطائرات بدون طيار أو صواريخ كروز أو الصواريخ الباليستية مرتبطة بالصين".

لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن العلاقات في هذه الناحية أقوى في الواقع بين روسيا وإيران.

وعلى جانب آخر، في إشارة إلى التلميحات التي تفيد بأن بكين وقفت إلى جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس ضد تل أبيب في حربها الأخيرة على غزة، يقترح البعض أن "تتعامل إسرائيل مع الصين كدولة معادية".

ولكن الخبير الإسرائيلي، أوري سيلا، يرى أنه "يجب ألا تتعامل إسرائيل مع الصين بعداء بشكل كامل". ويقول الخبير إن تل أبيب ليس لديها سبب للبحث عن عدو آخر، "فهي لديها ما يكفي". 

"كما أنها تحتاج بشدة إلى الصين من حيث سلاسل التوريد، لا سيما عندما لا تزال هناك قضايا دون حل مع تركيا"، وفق الخبير. 

وفي الوقت نفسه، أكد سيلا أن "إسرائيل ستعيد التفكير في إستراتيجيتها ضد الصين، والنظر -على سبيل المثال- في تغيير أساليبها التجارية".

منافسة شرسة

وفي هذا السياق، يسرد بعض الخطوات لكي تتعامل تل أبيب مع بكين. فمن وجهة نظره، "تحتاج إسرائيل إلى أن تتعلم كيفية الحد من المخاطر التي تواجهها من الدول التي لديها بالفعل علاقات معقدة مع الصين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية". 

وبما أن الصين على علاقات مع دول يشكل بعضها تهديدا مباشرا لتل أبيب، فإن إسرائيل يجب أن تتأكد من أنها لا تسهم بشكل غير مباشر في التطورات الصينية التي ستنتقم منها في النهاية.

وبشأن كيفية تحقيق ذلك، يقترح الخبير أن "تحدد إسرائيل -على سبيل المثال- المجالات العلمية والتكنولوجية التي توجد فيها مثل هذه الحساسية". 

وتابع: "ثم يجب أن تعمل على تنفيذ هذه المسألة من خلال التنظيم وزيادة الوعي في الأوساط الأكاديمية والصناعية".

وعلى جانب آخر، تلفت الصحيفة العبرية الأنظار إلى استبعاد شركة "China Harbour" أخيرا من المشاركة في مناقصة لإنشاء ميناء في حيفا "لأسباب تتعلق بالأمن القومي". 

وأشار إلى "وجود بعض الحالات المماثلة في الماضي في مشاريع البنية التحتية الأخرى في إسرائيل". وهنا، تتساءل الصحيفة: "هل الخوف مبرر؟ وهل يتجسس الصينيون على الإسرائيليين حقا؟".

وبهذا الخصوص، يرى خبير الشؤون الصينية أن "إسرائيل يجب عليها أن تأخذ هذه التقارير بمسؤولية"، وأن تفهم أن بعض القرارات هنا لا تتعلق بالضرورة بتهديد أمني حقيقي ملموس، بل بتقديرات إستراتيجية أوسع، مثل رغبة تل أبيب في عدم إثارة غضب الأميركيين أكثر من اللازم.

ومن هنا، تنتقل صحيفة "كالكاليست" إلى الحديث عن مصلحة الصين في التدخل فيما يحدث في المنطقة.

وتنقل عن الخبير الإسرائيلي أن هدفها هو "الحصول على موطئ قدم أكبر في الشرق الأوسط، خاصة دبلوماسيا واقتصاديا". 

وتوضح "أننا رأينا ذلك في اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية عام 2023، والذي استحوذت عليه الصين، رغم أنها لعبت دورا صغيرا". 

وبحسب سيلا، كانت الصين حينها تحاول أن تقول: "أريد أن أكون جزءا أكثر أهمية في المنطقة، لكنني أترك الدول تدير شؤونها بنفسها، فأنا لست مثل الولايات المتحدة التي تملي على البلدان ما يجب أن تفعله، ولا أتدخل في شؤونهم الداخلية".

وهذا يفسر أيضا جزءا من التعبئة الكاملة للأميركيين إلى جانب إسرائيل. وفي هذا الصدد، يقول إن "التدخل الأميركي الضخم في المنطقة، منذ 7 أكتوبر 2023، لا يرجع فقط إلى المشاعر الصهيونية القوية للرئيس جو بايدن". 

وتسلط بذلك الضوء على أن "حملة إسرائيل في غزة هي جزء من المنافسة بين أميركا والصين"، وفق تقديرها.