جولات مكوكية فرنسية أميركية إلى لبنان وإسرائيل دون جدوى.. لماذا؟

منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

تواصل فرنسا إدخال تعديلات على ورقة تتضمن اقتراحا لوقف المواجهات الحدودية المتواصلة بين “حزب الله” اللبناني والكيان الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتسعى فرنسا منذ أشهر إلى تهدئة التوتر بين الجانبين، وقدمت إلى كل من لبنان وإسرائيل مبادرة في يناير/ كانون الثاني 2024 لإنهاء المواجهات، لكنها لم تلق قبولا بعد.

ولهذا لجأت فرنسا إلى طرح "ورقة معدلة" عملت على تنقيحها انطلاقا من أجوبة إسرائيلية وصلت إلى باريس أخيرا.

ورقة معدلة

واستدعى ذلك، زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت في 28 أبريل/ نيسان 2024، وهي الثانية له إلى لبنان منذ تعيينه في منصبه في يناير من العام ذاته.

ودعا سيجورنيه من بيروت إلى وضع حد للتصعيد بين حزب الله اللبناني وإسرائيل تجنبا لـ"السيناريو الأسوأ"، على حد تعبيره.

وتصريحات سيجورنيه جاءت في مؤتمر صحفي عقده عقب لقائه مسؤولين لبنانيين بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقائد الجيش جوزيف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، زعيم حركة أمل وحليف حزب الله.

وقال: "لا مصلحة لأحد بأن تواصل إسرائيل وحزب الله هذا التصعيد. حملت معي هذه الرسالة إلى لبنان وسأحمل الرسالة نفسها إلى إسرائيل".

وأضاف الوزير الفرنسي: "مسؤوليتنا تقضي بتجنب التصعيد وهذا هو دورنا أيضا في اليونيفيل ولدينا 700 جندي هنا".

ومنذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023 دخل حزب الله في مواجهة، يتبادل فيها إطلاق النار مع إسرائيل، لكنها لا ترقى إلى حرب حقيقية.

وصرح ميقاتي قبل يوم من وصول الوزير الفرنسي، بأن باريس تعمل على "إعادة النظر بالورقة الفرنسية وستسلم للبنان قريبا لكي ننظر بها وبإذن الله الأمور تسلك المنحى الإيجابي لبسط الأمن والأمان".

معالجة الملاحظات

والاقتراح الأصلي، الذي تضمن وقف استهداف إسرائيل للمواقع اللبنانية مقابل تحرك حزب الله مسافة سبعة كيلومترات عن الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل، رفضه لبنان.

 في المقابل، كان على إسرائيل أن توافق على وقف العمليات العسكرية وتقديم التزامات بترسيم الحدود البرية، ومعالجة النزاع اللبناني على النفط والغاز، وتسهيل التقدم في العملية السياسية داخل لبنان بما يخص تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية منذ نهاية أكتوبر 2022 حينما غادر ميشال عون القصر الرئاسي في بعبدا.

وبحسب قناة "الميادين"، فإن المبادرة الفرنسية جرى تعديلها، متخلية عن الطلب الإسرائيلي السابق بأن تتحرك المقاومة اللبنانية مسافة سبعة كيلومترات عن الخط الأزرق.

وبدلا من ذلك، يقترح سحب "القدرات العسكرية المحددة لحزب الله" من الحدود، على الرغم من أن الطبيعة الدقيقة لهذه القدرات لا تزال غير معلنة.

وأن تقوم إسرائيل بوقف جميع العمليات العسكرية والخروقات في الأجواء اللبنانية، إلى جانب معالجة العناصر الأخرى من المبادرة السابقة.

ورغم الحراك الحكومي اللبناني لمعالجة الورقة الفرنسية بنسختها الجديدة، إلا أن الكلمة الفصل تبقى لحزب الله.

إذ قال نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، في 28 أبريل بالتزامن مع وصول الوزير الفرنسي: "المبادرات التي يتحدثون عنها بشأن جنوب لبنان غير قابلة للحياة إذا لم يكن أساسُها وقف إطلاق النار في غزة، فمن هناك تأتي المعالجة".

ورأى قاسم أن "من يأتي بمبادرة تحت عنوان وقف إطلاق النار في الجنوب إراحة لإسرائيل لتتمكن أكثر في غزة فهذا يعني أنه يدعونا إلى المشاركة في دعم العدو الإسرائيلي".

وهو ما أكدته صحيفة "الجمهورية" اللبنانية نقلا عن مصادر دبلوماسية فرنسية، بالقول إن الورقة الفرنسية الجديدة غير موفقة، لأنها تدعو إلى فصل ساحة لبنان عن الحرب الدائرة في غزة.

أي وقف المواجهات الدائرة على الحدود. فيما المستوى الرسمي اللبناني أكد أن لا إمكانية للبحث في أي حل قبل أن توقف إسرائيل عدوانها على غزة ولبنان.

"تمرير الرئاسة"

وضمن هذه الجزئية، يرى الكاتب اللبناني جان عزيز، أن "هناك إصرارا فرنسيا على انتزاع دور في لبنان رغم كل المحاولات الأميركية لصد هذا الدور".

وأضاف عزيز في تصريحات تلفزيونية: "فرنسا تحاول تخفيف اللهجة الأميركية، خاصة أن المسؤولين اللبنانيين الذي زاروا واشنطن أخيرا تلقوا تحذيرا أميركيا بضرورة الإسراع في إنهاء التوتر في لبنان وتمرير ملف الرئاسة قبل أغسطس 2024 وإلا فسيكون هناك صيف ساخن".

وأشار عزيز إلى أن "فرنسا إذا تمكنت من أخذ موافقة إسرائيلية بعد التنسيق مع الولايات المتحدة على الورقة الفرنسية فسيأتي موفد فرنسي خاص إلى لبنان حاملا الورقة مع إضافة حسم ملف الرئاسة".

واستدرك قائلا: "فرنسا تسعى إلى حل ملف الرئاسة ومن ثم يمكن لبيروت بعدها العمل على الحد الأدنى من الترتيبات حول جنوب لبنان كون الورقة الفرنسية شاملة ثلاث مراحل وتضيف عنصرا جديدا وهو تشكيل لجنة دولية رقابية لتطبيق القرار 1701".

والقرار 1701 تبناه مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس 2006، وطالب بوقف العمليات القتالية، بعد حرب مدمرة استمرت 33 يوما بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي.

كما طالب بإيجاد منطقة بين الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، ونهر الليطاني جنوب لبنان، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة "اليونيفيل".

وتنشط واشنطن من جهتها أيضا على خط احتواء التصعيد عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية ويقوم مبعوثها آموس هوكستين بجولات إلى لبنان وإسرائيل.

لكن ما يفسر مواصلة باريس وواشنطن حراكهما مع لبنان هو المخاوف من انفلات الوضع على الجبهة الجنوبية، وفق الكاتب اللبناني وليد شقير.

وقال شقير في مقال رأي في موقع "نداء الوطن" اللبناني: "الخشية من أن تعاكس طهران أو تل أبيب جهود الهدنة التي يجرى العمل الحثيث لأجل إرسائها في غزة إذا كان لأي منهما تحفظات عليها لأنها لا تراعي مصالح أي منهما. أي أن تلجأ إحداهما إلى الاعتراض على صيغة الهدنة في غزة عبر جبهة الجنوب اللبنانية".

وأضاف أن "مسودة التوافق على وقف الحرب في الجنوب، شبه جاهزة تحت عنوان تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 بالتدرج، وجرى التوصل إليها خلال زيارة الوسيط الأميركي الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين، في 5 مارس 2024 ولقائه رئيس البرلمان نبيه بري، وبعلم وموافقة حزب الله".

والقرار 1701 يواجه تحديا في الوقت الراهن بشأن تطبيقه كأحد الحلول المطروحة لإنهاء مناوشات حزب الله مع إسرائيل التي لا تعدو عن كونها قصفا متبادلا و"معركة وهمية"، وفق المراقبين.

لكن مبادئ هذا القرار المتعلقة بالأمن والاستقرار والتوصل إلى حل طويل الأمد عند الحدود اللبنانية مع إسرائيل تظل "صالحة" حاليا ومن هنا يأتي الانخراط الأميركي والفرنسي في معركة إحياء تنفيذ القرار، وبنده الخاص بـ"المنطقة الخالية" نتيجة للإلحاح الإسرائيلي لضمان أمن مستوطنات الحدود الشمالية.

ويؤكد مراقبون أن تطبيق القرار 1701 يجب أن يكون من الجهتين اللبنانية والإسرائيلية على حد سواء، لا كما تريد إسرائيل من جانب واحد.

ولهذا فإن البعض يقول إن الاتفاق على تهدئة جديدة في جنوب لبنان سيكون مرتبطا بالتمهيد لتسوية الحدود البرية اللبنانية مع إسرائيل بعد عامين من تسوية الحدود البحرية.