"كتيبة البراء".. ما حقيقة هجوم البرهان عليها رغم دعمها الجيش ضد حميدتي؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٦ يومًا

12

طباعة

مشاركة

تسريبات إعلامية في السودان، ادعت أن الجيش منزعج من كتيبة “البراء بن مالك” الإسلامية، رغم الشراكة الميدانية بينهما في مواجه مليشيا “الدعم السريع”.

ونقلت صحف سودانية في 15 أبريل/نيسان 2024 عن رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، انتقادات لكتيبة الإسلاميين (البراء بن مالك) التي تقاتل بجانب الجيش.

وقالت إن البرهان، أبدى امتعاضه من الظهور الإعلامي المكثف لكتيبة البراء وبثها مقاطع فيديو لمسيرات تقوم بطلعات قتالية عليها شعار الكتيبة، بشكل يوحي كأنها تعمل بمعزل عن قيادة الجيش.

ورأى البرهان أن ظهورهم في فيديوهات أدى إلى أن تدير الكثير من دول العالم ظهرها للسودان"، في إشارة إلى تحريض أنظمة خليجية عربية ودول أجنبية ضد المقاومة الشعبية الإسلامية التي أسهمت في انتصارات الجيش الأخيرة، بدعاوى "عودة النظام القديم".

دلالات التصريحات

ما نُقل عن البرهان، تزامن مع حملات إعلامية من الإمارات والسعودية ضد استعانة الجيش بقوات شعبية بعضها من الإسلاميين، وتحذيرهم من عودة "النظام الإسلامي" للبلاد تحت دعاوى عودة نظام عمر البشير السابق.

محللون سودانيون يرون أن البرهان معادٍ للإسلاميين منذ انقلابه على البشير، ولكنه اضطر للتعاون معهم حين انهزم الجيش وتراجع أمام قوات حميدتي.

وأوضحوا أن الإسلاميين كانوا وراء تفوق ونجاحات الجيش الأخيرة ضد الدعم السريع، واستعادة أجزاء كبيرة من الخرطوم.

ولكن مع تعاظم قوة كتيبة البراء وغيرها من القوى الشعبية الإسلامية، يخشى البرهان إطاحتهم به عقب الانتصار على حميدتي وعودة النظام السابق، وتصريحاته تشير لاستماعه لتحذيرات أطراف داخلية وخارجية من توسع نفوذ الإسلاميين عقب الحرب.

في لقاء انعقد في 15 أبريل 2024 في الكلية الحربية، ونقلته أوساط إعلامية سودانية رغم تأكيدها أنه حُظر فيه دخول وسائل الإعلام والهواتف النقالة، أبدى البرهان استياءه من الظهور الإعلامي المبالغ فيه لكتيبة "البراء بن مالك".

ونقل عنه قوله: "ناس البراء عاوزين يقاتلوا معانا حبابهم (مرحبا بهم)، لكن تصرفاتهم ومنهجهم الماشين بيهو ده ما بنوافق عليه".

وأضاف: "كل الناس يجب أن تقاتل تحت راية الجيش وشعار الجيش وإعلام الجيش، لا نوافق إطلاقا بكيانات وتنظيمات موالية"، بحسب صحيفة "الراكوبة" المحلية في 15 أبريل 2024.

لكن أهم ما قاله البرهان كان "ظهورهم في فيديوهات بصورة دائمة أدى إلى أن تدير الكثير من دول العالم ظهرها للسودان"، في إشارة إلى استغلال المعارضة العلمانية وإعلام الأنظمة المضادة ظهور القوى الإسلامية للادعاء أن النظام السابق يعود.

الظهور الإعلامي

ومع هذا فلم يكن تصريح البرهان هو الأول حول هذه الظاهرة، فقد سبقه تصريح مشابه لنائب القائد العام للجيش، شمس الدين الكباشي، في 29 مارس/آذار 2024.

"الكباشي" قال إن "معسكرات المقاومة الشعبية يجب ألا تستغل وتصبح بازارا وسوقا سياسيا، وكل من يحمل شعارا أو لافتة سياسية يجب ألا يدخل المعسكرات، ولن نسمح برفع أي راية بخلاف راية القوات المسلحة".

وعقب تصريح الكباشي وقبل تصريح البرهان، حرصت كتيبة البراء على تأكيد أنها تعمل "تحت إمرة ولواء القوات المسلحة".

وقال الصحفي والمحلل السياسي السوداني وليد الطيب إن تصريح البرهان وما سبقه من تصريح الكباشي يرجع للخشية من صناعة مليشيا جديدة في ثنايا الأزمة الحالية، التي نشبت أصلا بسبب تمرد مليشيا الدعم السريع.

وأوضح الطيب لـ"الاستقلال" أن "الجيش ربما يخشى أن يكون الظهور الإعلامي المبالغ فيه لكتيبة البراء مطية لبعض التنظيمات السياسية والإسلاميين، وأنصار النظام السابق، الذين عليهم كثير من التحفظات على المستوى المحلي والإقليمي، ولا يريد بالتالي أن يحمل هذه الحمولة السابقة الثقيلة خلال إدارة الحرب الحالية".

وأكد أنه لهذا "يعمل الجيش على ضبط هذه المجموعة (البراء) وإدراجها بشكل كامل داخل القوات المسلحة أو تنظيمها ضمن لوائح الجيش، ومع انتهاء الحرب يعودون من حيث أتوا من دون أن يكون لهم أي تشكيل رسمي".

وأشار الطيب إلى أن "الجيش يريد أن يدمج كل الحركات المسلحة، بما فيها تلك التي توجد في دارفور، لتكون جزءا من جيش المستقبل ويكون للسودان جيش واحد وتنتهي ظاهرة المليشيات في السودان".

حقيقة الخلافات

ويقول الصحفي المختص في الشؤون العسكرية والأمنية، ناصف صلاح الدين، إن هذه الانتقادات (لكتيبة البراء) لم تكن الأولى من نوعها، والفرق أن البرهان انتقل بالحديث والنقد من دائرة الحلقة الضيقة المحيطة به، لأخرى أكثر اتساعا".

ورأى أن هذا "يعبر عن وجود تيارات متباينة داخل هيئة قيادة الجيش"، بحسب موقع صحيفة "السوداني" في 15 أبريل 2024.

"التيار الأول" يقوده البرهان ورئيس الأركان محمد عثمان الحسين، و"تيار ثان" بقيادة كباشي وجزء من هيئة القيادة.

وهذان التياران موصولان بملفات التفاوض والضغوطات الدولية التي عبر عنها المبعوث الأمريكي الجديد الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، الذي أشار في مناسبات كثيرة إلى ما أسماه تصاعد نفوذ الإسلاميين المتطرفين داخل ‎الجيش السوداني.

أما التيار الثالث داخل الجيش، وعلى رأسه ياسر العطا الذي اقترب كثيرا من مجموعة كرتي (وزير خارجية البشير السابق ورئيس التيار الإسلامي البديل حاليا) فلا يرى ضيرا من عمل الإسلاميين وغيرهم من تيارات المقاومة الشعبية تحت لافتاتهم داخل الجيش طالما أنها تصب في ذات الهدف، وفق الصحفي "صلاح الدين".

أما التيار الرابع فهو تيار جديد يتشكل في الميدان ناقم على قيادة الجيش وسوء إدارة البرهان للعمليات الحربية، ولدى هذا التيار تحفظات كبيرة من محاولات اختطاف تيار سياسي بعينه لمجهودات الجيش ونسبته إليه.

العلاقة مع البرهان

فور اندلاع القتال مع الدعم السريع بقيادة عبد الرحيم دقلو (حميدتي)، بدأ الجيش يستدعي قوات الاحتياط (الدفاع الشعبي)، وبعضهم ذهب بنفسه بعدما أعلنت الفصائل الإسلامية وقوفها بجانب الجيش ضد حميدتي.

وتزايد عددهم مع دعوة البرهان في يناير/كانون الثاني 2024 إلى "تسليح المواطنين لمواجهة الدعم السريع".

وقال البرهان أدعو إلى "تسليح المقاومة الشعبية وتنظيمها حتى تدافع عن نفسها ووطنها في مواجهة المتمردين تحت إمرة القوات المسلحة".

وبسبب شجاعتهم وخبرات بعضهم في الحروب السابقة مع جيش جنوب السودان، نجحوا في وقف تقدم مليشيا حميدتي وانتقال الجيش من الدفاع للهجوم، وبرز من بينهم كتيبة "البراء بن مالك"، التي لعبت دورا في انتصارات الجيش الأخيرة.

وزار البرهان قائد كتيبة البراء، المصباح أبو زيد طلحة، في مستشفى الشرطة بمدينة عطبرة، أواخر أغسطس/آب 2023، حيث كان يتلقى العلاج هناك بعد إصابته في إحدى المعارك مع الدعم السريع.

لكن أبواقا في الداخل والخارج بدأت تحرض ضد هذه الكتيبة وتزعم نية الإسلاميين السيطرة على الجيش عقب انتهاء الحرب وطرد البرهان ومن انقلبوا على البشير، أقلقت البرهان، وفق مصادر سودانية لـ"الاستقلال".

وزاد البلبلة نشر صحف خليجية معادية للإسلاميين أنباء مفبركة عن سيطرة الإسلاميين على قادة الجيش وفرض أوامرهم عليهم.

واستغل معارضون سودانيون قول كباشي في نهاية مارس 2024 إن "معسكرات المقاومة الشعبية يجب ألا تستغل لأغراض سياسية، وإن من يحمل لافتة سياسية يجب ألا يدخل معسكرات الجيش"، للزعم أنه يقصد كتيبة البراء، بينما كان تصريحه في حقل تخريج دفعة من حركات مسلحة. 

لكن دعا مساعد القائد العام للقوات المسلحة ياسر العطا، الرجل الثالث في الجيش، إلى عدم الاكتراث لما يقال حول "المقاومة الشعبية الإسلامية".

وقال في خطاب 30 مارس/آذار 2024 إن أي حديث سلبي حول "المستنفرين" – في إشارة للإسلاميين-لا يساوي شيئا، وأنه مجرد كلام تذروه الرياح، مطالبا كل الفاعلين في البلاد بالانخراط في المقاومة الشعبية".

ونجم عن هذا التحريض الإماراتي خصوصا، قيام قوات حميدتي بقصف إفطار رمضاني نظمته "كتيبة البراء" الإسلامية بمدينة عطبرة في 2 أبريل 2024 بطائرة مسيرة وقتل 15 من المتطوعين الإسلاميين، وإصابة 50.

ويرى الكاتب السوداني، بشري علي، أن من أسباب تصريح البرهان ضد كتيبة البراء "هو تسليح كتيبة البراء بمعزل عن الجيش، خاصة امتلاكها سلاح المسيرات هاجر 6 الإيرانية".

وأشار إلى مخاوف أنها (طائرات إيران) "ربما تستخدم في الهجوم على إسرائيل وفق تفاهمات سرية مع إيران".

ولفت إلى أن "هناك حديث عن حجز سفينة في البحر الأحمر كانت تحمل مسيرات من طراز هاجر 6 لصالح كتيبة البراء بن مالك، ولم يكن الجيش يملك معلومات عن تلك الشحنة".

لكن علي يؤكد أن البرهان ليس في حالة عداء مع كتيبة البراء أو ينوي الاصطدام بها في هذا التوقيت الحساس.

وأكد أن ذلك "لن يحدث إلا إذا توقفت الحرب أو عاد للتحالف مع الدعم السريع والتي تملك ملايين الأسباب للفتك بكتيبة البراء وتقطيع أوصالها واقتلاعها من الجذور".

 

 

كتيبة البراء

مع تراجع الجيش أمام الدعم السريع، في الشهور الأولى من الحرب التي بدأت في 15 أبريل 2023، بدأ الجيش يستعين بكتائب مسلحة شعبية هي في الأصل من "قوات الدفاع الشعبي" التي تشكلت في التسعينيات.

حيث يشير تاريخها إلى أنها امتداد لـ"قوات الدفاع الشعبي" التي شكلها نظام البشير لدعم الجيش في حربه ضد جنوب السودان قبل انفصاله، والتي انضم لها إسلاميون.

ومن أبرز هذه الكتائب الإسلامية الشعبية التي ظهرت مبكرا "كتيبة البراء"، التي يقول عنها مؤيدو "الدعم السريع" إنها من فلول نظام البشير، وتصفها صحف السعودية والإمارات بأنها "كتائب الإخوان".

وتم تشكيل قوات "الدفاع الشعبي" بعدها كيانا قانونيا رسميا في نوفمبر/تشرين الثاني 1989، فبحسب دراسة للمعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف.

وبلغ عددها نحو 100 ألف مقاتل، وضمت في صفوفها عددا من المجموعات الإسلامية المسلحة، وقد تم إعلان حل هذه القوات عقب الانقلاب على البشير، وتحويلها إلى "قوات احتياط" تابعة للوزارة في 7 يناير 2020.

أما "كتيبة البراء" فيؤكد قائدها أن عددها يتجاوز 20 ألفا، وتقول أوساط المعارضة العلمانية السودانية وصحف خليجية إنهم 2000 فقط.

ويشير حساب لكتيبة "البراء" على "فيسبوك" إلى أنها "منظمة حكومية‏" أي تابعة للدولة.

ويؤكدون أنهم يقفون خلف الجيش "منذ 35 عاما ضد كل المؤامرات التي تستهدف السودان"، في إشارة إلى أن تاريخهم يمتد إلى "الدفاع الشعبي" الذي تشكل عام 1989، عقب تولي البشير الحكم.

وأوضح الصحفي والمحلل السياسي السوداني، وليد الطيب، أنه "لا يوجد تشكيل منظم معروف العضوية لكتيبة البراء، وإنما هي أقرب إلى المبادرة التي قام بها بعض الشباب المنتمين للتيارات الإسلامية – لا تيار واحد- لدعم الجيش كمتطوعين".

وأشار الطيب لـ"الاستقلال" إلى أنه "تحت هذه اللافتة (البراء)، التي هي أقرب إلى (الشعار) أكثر منها التنظيم العسكري الحقيقي، انضووا تحت لواء الجيش لمحاربة الدعم السريع".

ويقول الصحفي السوداني، عزمي عبد الرازق، عبر حسابه على "فيسبوك" في 14 أبريل 2024 إن "كتيبة البراء طليعة فدائية، كثير منهم زاهد في الأضواء، تنادوا للذود عن وطنهم الغالي".

وأوضح أن "شباب هذه الكتيبة الذين يتقدمون الصفوف والدفاع عن الأرض والعرض، جاءوا من كل مكان، أطباء ومهندسون وتجار ومعلمون ومغتربون وأهل صنعة وحفظة، خلعوا البدل والقمصان وهجروا الرجز وصالات الرقص وقدموا مئات الشهداء والجرحى".

ونقل عن بعضهم حين سألهم: هل ستندمجون في الجيش بعد الحرب" تأكيدهم: "بعد الحرب سنذهب لبيوتنا وأعمالنا وتجارتنا ومهننا".

الكلمات المفتاحية