خبير ليبي: قنصلية بنغازي ضرورة لتركيا والإمارات باتت تدعم الدبيبة والملكية حلم (خاص)

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

أكد الخبير السياسي والأمني في الشأن الليبي، شُريّف عبد الله، أن قرار تركيا بإعادة فتح قنصليتها في مدينة بنغازي شرق ليبيا "قريبا" لا يعني تغيرا في الموقف التركي تجاه أطراف الأزمة الليبية. 

وعزا عبد الله القرار في حوار مع "الاستقلال" إلى أن العمق الإستراتيجي الحقيقي لتركيا في ليبيا كامن في الشرق الليبي وليس الغرب، نظرا لتماس الحدود البحرية لتركيا مع المنطقة الشرقية، وبالتالي فإن أنقرة مضطرة لأن تكون على اتصال دائم بمن يسيطر على الشرق.

واستبعد أن يكون لقرار محكمة الاستئناف في طرابلس بتعليق اتفاقية الهيدروكربون المبرمة بين تركيا وليبيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 أي تأثير على العلاقات الليبية التركية.

كذلك شكك الخبير السياسي في قدرة وزير الداخلية عماد الطرابلسي على تنفيذ ما ذكره بشأن التوصل إلى اتفاق لإخلاء العاصمة طرابلس من المجموعات المسلحة، وعودتها إلى مقراتها وثكناتها.

وشُريّف عبد الله باحث متخصص في الشأن السياسي والأمني الليبي، ويشغل حاليا منصب مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، ومدير المركز الليبي لبناء المؤشرات، وله العديد من الكتابات واللقاءات الصحفية والتلفزيونية حول الشأن الليبي.

بعد إستراتيجي

قررت تركيا أخيرا إعادة فتح قنصليتها في بنغازي، وأتى ذلك في وقت يشهد فيه ملف الانتخابات الليبية حالة من عدم اليقين بالتزامن مع تجدد التنافس بين شرق البلاد وغربها.. ما دلالات ذلك؟ وهل يعني ذلك تغيرا في الموقف التركي تجاه المشهد الليبي؟

من الضروري أن نذكر ابتداء أن تركيا وقعت مع ليبيا اتفاقية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والاتفاقية كانت تهدف لترسيم الحدود والدفاع المشترك، وكذلك تضمنت ملف تدريب القوات المسلحة الليبية.

وعُقد الاتفاق مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج آنذاك، وهي الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة، وتبسط سيطرتها على الغرب الليبي تحديدا.

وبعد عقد الاتفاق مباشرة، دلفت تركيا إلى الحرب بشكل مباشر في ديسمبر/ كانون الأول 2019، وشاركت أنقرة في الدفاع عن العاصمة طرابلس مع القوات الموجودة على الأرض.

وكان للطيران التركي المسير دور كبير للغاية في رد العدوان على العاصمة، لا سيما مع دخول مليشيات "فاغنر" الروسية على الخط إلى جانب خليفة حفتر في هجومه على طرابلس.

ومن المهم في هذا الإطار، أن نؤكد على حقيقة أن البعد الإستراتيجي أو العمق الإستراتيجي لتركيا هو في الشرق الليبي، وفي ذات الوقت يجمعها مع الغرب الليبي مصالح تكتيكية.

فإذا نظرت إلى ترسيم الحدود البحرية على سبيل المثال، ستجد أن الجبهة المتماسة مع الحدود البحرية لتركيا هي الشرق الليبي وليس الغرب، وتحديدا المنطقة التي كانت تسمى سابقا "إقليم برقة"، وهي مقابل مدينة درنة تماما. وهو ما يحتم على صانع السياسة التركية -من المنظور الإستراتيجي- أن يكون لديه اتصال مع الشرق والقوات الموجودة هناك.

والواقع يقول إن حفتر فرض أمرا واقعا موجودا على الأرض بشكل فعلي، فهو من يسيطر على المنطقة الشرقية بشكل كامل.

كما أن لديه بعدا تشريعيا متمثلا في البرلمان الليبي (برلمان طبرق) برئاسة عقيلة صالح. إضافة إلى البعد العسكري المتمثل في القوات التابعة له بشكل مباشر.

هذا إلى جانب بعد علاقاته مع الدول الداعمة له، لا سيما مصر والإمارات وفرنسا، وجزء من إيطاليا، وبعض الدول الأخرى. فضلا عن علاقاته كذلك مع "فيلق إفريقيا"، التابع لروسيا، وبالتالي دخل حفتر ومن مع في تحالف إستراتيجي مع موسكو.

وبالتالي، يتضح -من المنظور الإستراتيجي الخارجي الخاص بتركيا- أنه يتعين على أنقرة أن يكون لديها تواصل مع الشرق الليبي، ويلزم عليها ترتيب العديد من الملفات مع الشرق الليبي.

ومن هذا المنطلق، يمكن فهم دوافع القرار التركي بإعادة فتح قنصليتها في بنغازي، عاصمة الشرق الليبي القابعة تحت سيطرة حفتر.

هل هذا يعني تغيرا في الموقف أو التوجه التركي تجاه أطراف الأزمة؟

لا يمكن القول إن تركيا غيرت موقفها تجاه الأزمة في ليبيا. فالتوجه العسكري لتركيا في ليبيا معروف. حيث إنها موجودة في قاعدة الوطية، وهذا التواجد بالطبع جزء من إستراتيجية حلف شمال الأطلسي، التي تقتضي أن يكون للحلف قاعدة في جنوب المتوسط. وجدير بالذكر أن قاعدة الوطية بالأساس مجهزة بنفس مواصفات حلف الناتو.

كذلك توجد تركيا في مصراتة كقوة عسكرية، وأيضا توجد في طرابلس. وبالتالي فإن وجود أنقرة في المنطقة الغربية دعم واضح لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وهذا  التوجه لا يستطيع أحد أن يشكك فيه أو ينازع عليه.

ولكن في النهاية تبحث الدول عن مصالحها الإستراتيجية، وهذه نقطة أساسية ينبغي إدراكها والانطلاق منها في فهم سياسة الدول.

ومصالح الدولة التركية الآن تقتضي ترتيب العديد من الملفات مع الشرق الليبي والقوات المسيطرة عليه، وكذلك ترتيب العلاقات مع اللاعبين الأساسيين الداعمين لحفتر. 

وقد رأينا التقارب الكبير للغاية الذي شهدته العلاقات التركية الإماراتية في الفترة الأخيرة، وقد زاد التبادل التجاري بين البلدين..

كما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإمارات، وكذلك فعل رئيس الإمارات محمد بن زايد وزار أنقرة. واستُؤنفت العلاقات بعد جفاء امتد فترة طويلة.

كذلك رأينا محاولات التقارب وتطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة على مدار السنوات الأخيرة، وكُللت هذه المحاولات بزيارة الرئيس أردوغان لمصر ولقائه برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، رغم رفض أردوغان المعلن والمتكرر سابقا لأي لقاء مع السيسي. 

وفي هذا اللقاء كان الملف الليبي على الطاولة.. صحيح أن الملف الليبي لم يكن هو الأولوية الرئيسة في هذا اللقاء، وكان الاهتمام الأكبر لصالح زيادة التبادل التجاري بين البلدين، والحرب في غزة والملف الفلسطيني.

لكن كان الملف الليبي جزءا أساسيا من المحادثات والمفاوضات بين الدولتين على مدار السنوات الأخيرة التي شهدت التحضيرات لانفراج العلاقات بينهما.
 

قوة ونفوذ
 

محكمة الاستئناف في طرابلس أعلنت خلال يناير/ كانون الثاني 2024، تعليق "اتفاقية الهيدروكربون" المبرمة بين تركيا وليبيا في أكتوبر 2022.. ما دلالات الحكم فيما يتعلق بمستقبل أنقرة في ليبيا؟

إلغاء المحكمة العليا لاتفاقية الهيدروكربون الموقعة بين أنقرة وطرابلس لا يعني إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية واتفاقية الدفاع المشترك واتفاقية تدريب الجيش الليبي، والحكم المذكور يتعلق بجزء صغير فقط من هذه الاتفاقيات المشتركة.

وهو الجزء الذي وقعه الدبيبة، منتصف عام 2023 مع الدولة التركية، والذي يمنح الأخيرة صلاحية التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بليبيا في البحر المتوسط وفي برها الرئيس أيضا.

وهذه الجزئية على وجه التحديد هي المنوط بها الحكم الصادر. ولكن يمكن القول إن هذا الحكم جزء منه مناكفة سياسية للضغط على حكومة الدبيبة من داخل طرابلس. ولا أعتقد أنه سيكون لهذا الحكم تأثير كبير، أو أن الاتفاقية ستُلغى، أو ستذهب أدراج الرياح.

 والواقع أن الاتفاقية الأصلية، الموقعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قائمة، وحتى اتفاقية الهيدروكربون لا تزال قائمة، فلا يزال هناك استئناف أمام المحكمة. 

وإجمالا، لا أعتقد أن هذا الحكم سيكون له أي تأثير على العلاقات التركية الليبية.

فتركيا، في الحقيقة، تشتغل حاليا على مسارين أساسيين في الأراضي الليبية. المسار الأول المتعلق ببعدها وعمقها الإستراتيجي الموجود في الشرق الليبي كما ذكرنا.

أما المسار الثاني، فهو المصلحي المرتبط بالتواجد في الغرب الليبي، وقد دخلت بالفعل تركيا أخيرا في شراكة مع شركة "أدنوك" الإماراتية، وشركتي "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية، للعمل سويا في حقل الحمادة النفطي جنوب العاصمة طرابلس، الذي تبشر التوقعات بأنه سيكون من أكثر الحقول ضخا للبترول والغاز في ليبيا. 

كذلك توجد تركيا في شراكات على مستوى البنية التحتية ومشاريع إعادة الإعمار، فتركيا موجودة بقوة في ليبيا، لا سيما بعد عام 2019. 

وقبل 2019 كانت تركيا في الخلف بعض الشيء فيما يتعلق بليبيا، ولكن الاتفاقية التي وُقعت مع حكومة فايز السراج كانت نقطة حاسمة، أدت إلى دخول ووجود قوي للأتراك في ليبيا.

ولكن مع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أبدا ما ذكرناه من أن العمق الإستراتيجي أو البعد الإستراتيجي الحقيقي في العلاقات الليبية التركية هو مع المنطقة الشرقية في ليبيا، لأنها تعد الحدود البحرية مع تركيا. ولكن البعد المصلحي أو الإستراتيجي الثاني هو مع الغرب الليبي.
 

خلال الأيام الماضية، التقى الدبيبة نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي منصور بن زايد الذي تدعم دولته متمردي حفتر، وبعدها بأيام، التقى بالرئيس أردوغان.. فما الذي يسعى إليه الدبيبة من خلال هذه اللقاءات الخارجية التي تبدو أنها مع أطراف متعارضة المصالح في الداخل الليبي؟

بخصوص لقاءات الدبيبة مع منصور بن زايد أو مع أردوغان، فيمكن القول إن لذلك جذورا.

فبعد حرب عامي 2019 و2020، وما أسفرت عنه من عدم تمكن حفتر من السيطرة على طرابلس، تغيرت سياسة الإمارات إزاء ليبيا. فقد سحبت جزءا من قواتها، واستبدلت سياساتها الخشنة بأخرى ناعمة، ومن ثم بحثت عن طريق للاتصال مع حكومة الغرب الليبي، متمثلة في الدبيبة.

والمتابع للسياسة الليبية بدقة يجد أن الإمارات باتت حاليا داعمة أساسية في استمرار حكومة الدبيبة بشكل حقيقي. 

وبالمناسبة، فهذه تعد واحدة من نقاط الخلاف بين الإمارات والنظام المصري بخصوص الشأن الليبي.

وقد أصدرنا -في المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية- ورقة بحثية عن الخلافات بين السياسات المصرية والإماراتية فيما يتعلق بالملف الليبي، وفصلنا فيها بوضوح عن النقاط الخلافية الرئيسة بين الجانبين، وذكرنا كذلك أن هناك خلافا فيما يتعلق بدعم حفتر، أو كيفية ومستوى دعمه على الأقل.

والإمارات حاليا تدعم بوضوح استمرار الدبيبة وحكومته، في ذات الوقت الذي لم تقطع فيه علاقاتها مع الشرق الليبي ممثلا في حفتر. 

وأعتقد أن الدبيبة يسعى حاليا إلى ترتيب علاقاته الخارجية بهدف الاستمرار في المشهد الليبي خلال الفترة القادمة.

ويتضح من خلال لقاءاته الأخيرة أنه يفهم ويدرك العلاقات الخارجية بشكل جيد، فقد تواصل مع كل الفرقاء واللاعبين الإقليميين والدوليين الموجودين في ليبيا، وفي تواصلاته يعطي لكل طرف مصلحته.

وبما أننا نتحدث عن الإمارات، من المفيد القول إنه منحها حقل الحمادة النفطي بالشراكة مع شركات تركية وفرنسية وإيطالية، كذلك تتوارد الأنباء عن أنه بصدد منح الإماراتيين المنطقة الحرة في مصراتة للاستثمار فيها، كما أن الدولة الخليجية أعطيت جزءا كبيرا من عقود إعادة التعمير.

أضف إلى ذلك أن التبادل التجاري بين الإمارات وليبيا زاد بشكل كبير خلال عامي 2023 و2022 عما كان قبلهما. وكل هذه النقاط تدعم -بلا شك- التغير في السياسات الإماراتية تجاه ليبيا.

والواقع يقول إن الإمارات لاعب أساسي مهم في الشأن الليبي، حيث تعد إحدى نقاط الربط الرئيسة بين السياستين الأميركية والروسية في ليبيا، إضافة إلى علاقتها بنشأة الفيلق الإفريقي، وكذلك علاقتها الوطيدة بروسيا وبمرتزقة فاغنر، فهي من أدخلتهم إلى ليبيا بالأساس من قبل.

وكل هذه التدخلات أعطت الإمارات "قوة ونفوذا" في التواجد في الملف الليبي.

وكما ذكرنا سالفا، فإنها تعد حاليا داعما أساسيا لاستمرار حكومة الدبيبة، خلافا لما  تراه الرؤية المصرية في إنهاء حكومة الديبة وإنشاء حكومة جديدة.

ولذا، فإن تواصل الدبيبة مع المسؤولين الإماراتيين منطقي وطبيعي ومتفهم من هذه الزاوية. 

أما من حيث تواصلاته مع الأتراك، فهذا بلا شك بديهي نظرا لأنهم الداعم الرئيس لحكومته والجبهة الغربية بشكل عام منذ 2019.

أعلن وزير الداخلية، عماد الطرابلسي، التوصل إلى اتفاق لإخلاء العاصمة طرابلس من المجموعات المسلحة، وعودتها إلى مقراتها وثكناتها.. فما مدى جدية هذا الحديث؟ وما مدى قدرة الوزير على إنفاذ ما ذُكر؟

بالفعل تحدث وزير الداخلية حول هذه القضية، لكنه لم يذكر إخلاء العاصمة على وجه التحديد، إنما تحدث عن رجوع المليشيات والتشكيلات المسلحة إلى ثكناتها، بحيث لا يكون لأي منها علاقة بتأمين الشوارع أو المؤسسات العامة التابعة للدولة..

ويتسلم مهمة التأمين في الطرق وداخل المدينة الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية، والمتمثلة في الشرطة المدنية، وشرطة المرور ومكافحة المخدرات والبحث الجنائي وغيرها من أفرع الشرطة التابعة لوزارة الداخلية.

ومن المهم الإشارة إلى أن الطرابلسي تحدث فقط عن عموميات، لكنه لم يعط تاريخا أو زمنا محددا لتنفيذ كلامه، وهو ما يعطي انطباعا بأنه لا توجد خطة فعلية للإخلاء أو لإنهاء هذه الأزمة.

وأؤكد لك أنه لا يوجد خطة، ولا بعد زمني، ولا بعد مكاني، ولا يوجد حتى بعد تنظيمي.

فجزء من هذه التشكيلات التي تحدث عنها الوزير لا تتبع أصلا وزارة الداخلية، فعلى أي أساس أعطاها وزير الداخلية أوامر أو أجرى معها تفاهمات؟ وحتى لو أجريت تفاهمات، فمع من أجريت؟ هل مع قادة المليشيات أنفسهم؟ أم مع أجهزة الدولة التي تدير كلا منهم؟.

فعلى سبيل المثال، بعض التشكيلات التي ذكرها الطرابلسي في مؤتمره الصحفي تتبع لقيادة الأركان، وهو ما يعني تبعيتها للقائد الأعلى للقوات المسلحة، المتمثلة في رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.

في حين تتبع بعض التشكيلات بالأساس وزارة الداخلية نفسها، وبعضها الآخر يتبع رئاسة الوزراء.

ولدينا ما يسمى "جهاز الردع" مثال على ذلك، فهو لا يتبع وزارة الداخلية ولا مجلس الوزراء، ولكنه تابع بشكل مباشر للمجلس الرئاسي، وكذلك جهاز "دعم الاستقرار" وجهاز "444".

وفيما يتعلق بالبعد المكاني، لم يحدد الطرابلسي كذلك أيُّ الثكنات التي ستذهب إليها التشكيلات، فالثكنات منتشرة في وسط أو جنوب أو شمال أو شرق أو غرب طرابلس، ومنتشرة كذلك في داخل وخارج طرابلس، وكل ذلك لم يوضحه الطرابلسي في حديثه.

وبالتالي، فإن ما تحدث عنه وزير الداخلية هو كلام عام يفتقد لأي تفصيلات توحي بقدرته على إنفاذ ما ذكره في الوقت الراهن.

طرح حالم

تقارير تحدثت عن أن هناك تفكير في استعادة الملكية الليبية لإنقاذ البلاد من الانقسام، وقد دعَّم ذلك التداخل العلني المتكرر أخيرا لـ"محمد رضا السنوسي"، حفيد الملك إدريس الأول الذي أطاح به معمر القذافي عام 1969، في الوضع السياسي الداخلي ولقائه بعدة رموز سياسية ومجتمعية.. ما مدى واقعية هذا الطرح؟

بخصوص الرؤية الأخيرة التي تكلم بها بعض السياسيين وبعض صناع القرار في ليبيا بخصوص عودة الملكية، رصدنا -في المركز الليبي لبناء المؤشرات- أكثر من مرة تواصلات بين بعض أفراد الطبقة السياسية والفاعلين السياسيين -في المنطقة الغربية خصوصا- وبين السيد ولي العهد. وتحدث بعض هذه التواصلات في تركيا وبريطانيا.

ولكن حقيقة نرى -في المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية- أن الملكية ليس لديها القدرة على العودة والإحياء من جديد في المشهد السياسي، وذلك بخلاف الرؤية التي يتبناها بعض السياسيين وصناع القرار بأن عودة الملكية ستكون حلا للأزمة.

وللأسف فإن العقلية العربية بُرمجت دائما على النظر للماضي ومحاولة استجلابه لحل مشكلات الحاضر.

لكن الواقع يقول إن المعادلة حاليا مختلفة تماما عما كانت عليه قبل 50 عاما، سواء من ناحية الأوضاع الإقليمية أو الدولية أو الأبعاد الجيوسياسية.

وبالتالي، لا نعتقد أن عودة الملكية أمر ممكن الحدوث في ليبيا الحاضر.

ما الدوافع أو الأسباب التي جعلتكم تعتقدون أن الطرح القائل بعودة الملكية "غير واقعي"؟

حقيقة تكمن  دوافع تبنينا لهذه الرؤية في عدة أسباب، من أهمها أن ولي العهد أو الملك المنتظر لا يملك رؤية سياسية لحل الأزمة الليبية رغم كل هذه اللقاءات مع النخب السياسية.

أضف إلى ذلك افتقاده لأدوات القوة على الأرض، ندرك جميعا أن ليبيا تشهد انقساما على المستويات كافة، المستوى الاقتصادي، والمؤسساتي، والأمني، والاجتماعي، وبالتالي فإن جسر هذه الهوة وردم هذا الانقسام يحتاج إلى معادلة كاملة لحل المشكلة الليبية من جذورها، وولي العهد لا يملك أيا من مكونات هذه المعادلة الرئيسة.

ومن الناحية العسكرية الأمنية، كذلك لا يملك أدوات على الأرض أو قوة يمكنها إسناده والدفع به قدما للأمام، لا سيما في الشرق.

وحتى المنظور التاريخي لا يرجح عودة الملكية من جديد لليبيا. فلم يَنْمُ إلى مسامعنا -على الأقل خلال الـ 100 سنة الأخيرة- أن ملكية ألغيت، ثم أعيدت كنظام حكم من جديد.

وبالتالي، لا نرجح عودة الملكية كنظام حكم في ليبيا، ونعتقد أن هذا "الطرح حالم غير واقعي"، منبثق من تفاعلات عاطفية تجعلنا نظن أن العودة الماضي ستحل مشكلات الحاضر.

إذن ترفضون عودة الملكية وترونها حلا غير واقعي.. فما الحل للمشهد الليبي من وجهة نظركم؟

أصدرنا ورقة سياسات فيها رؤية كاملة للمشهد الليبي، وذكرنا فيها أن النظام البرلماني هو الأفضل في الوقت الراهن، وشددنا على ضرورة الابتعاد عن النظام الرئاسي.

فالنظام الرئاسي -كما نرى- يتمثل أمامنا في كل من مصر وتونس.

الأول نظام عسكري استبدادي، والثاني مدني استبدادي يريد السيطرة على كل مفاصل الدولة.

وعليه، نعتقد أن النظام البرلماني هو ما يصلح لليبيا في المرحلة القادمة.

وقد بلورنا رؤية كاملة ومشروع حل كامل مبنيا على أساس تعزيز النظام البرلماني وترسيخ حكمه في البلاد في المرحلة القادمة، وقدمناه بكل ما فيه لصناع القرار والجهات المختصة في الشأن الليبي؛ ابتداء من رئاسة الوزراء والمجلس الرئاسي والمفوضية العليا للانتخابات، وكذلك أرسلناها للمنطقة الشرقية بشكل مباشر.