في ظل التهديدات الإسرائيلية بضربها.. كيف تحمي إيران منشآتها النووية؟

منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

مع تبادل التصعيد بين إيران وإسرائيل، تبدو المنشآت النووية الإيرانية في عين العاصفة، لا سيما وسط الخشية من تعرضها لاستهداف مباشر في حال أي انزلاق جديدة للتوتر في الشرق الأوسط.

وأدى وقوع انفجارات فجر 19 أبريل/ نيسان 2024 إثر غارات شنتها إسرائيل قرب قاعدة عسكرية في قهجاورستان الواقعة بين محافظة أصفهان ومطارها وسط إيران، إلى رفع سقف التحذيرات الدولية الداعية إلى جعل المنشآت النووية في هذا البلد بعيدا عن الصراعات العسكرية.

وخلال الهجوم "نجح نظام الدفاع الجوي" الإيراني في إسقاط "عدة" مسيّرات، حيث نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين قولهم إن إسرائيل شنت ضربة على إيران ردا على هجومها غير المسبوق الذي استهدفها في 13 أبريل.

فيما بدت طهران ميّالة إلى تهدئة الوضع، إذ أشارت إلى أن الهجوم دون استخدام صواريخ، وأوضحت أن المنشآت النووية "آمنة".

"لعبة أطفال"

وقلل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من أهمية الهجوم الإسرائيلي على أصفهان مقارنا إياه بـ"لعبة أطفال"، وأكد أنه لن يكون هناك رد إيراني انتقامي ما لم يتم استهداف "مصالح" طهران، في إشارة إلى المنشآت الحيوية في البلاد وعلى رأسها النووية.

بالمقابل، جددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومقرها في فيينا عبر منصة "إكس" في 20 أبريل، دعوتها إلى أن "يظهر الجميع أقصى درجات ضبط النفس مع إعادة التأكيد على أنه يجب عدم استهداف أي منشأة نووية أثناء الصراعات العسكرية".

ورغم امتلاك إسرائيل أسلحة ذرية، إلا أن الأخيرة ودولا غربية تتهم إيران بالسعي إلى تطوير سلاح ذري، وهو ما تنفيه طهران على الدوام وتؤكد سلمية برنامجها النووي.

وإسرائيل من أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة والغرب الذي أبرم عام 2015 وأعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018 الانسحاب منه، وسط محاولات منذ ذلك الوقت لإحيائه عبر مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران.

وسبق لإيران أن انتقدت عدم إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاستهدافات طالت نشاطها النووي، مثل عمليات تخريب في منشآت أو اغتيال علماء في هذا المجال.

 وكثيرا ما قالت إسرائيل إن برنامج إيران النووي "تجاوز كل الخطوط الحمراء" وأنها ستمنع طهران "من امتلاك سلاح نووي".

منشآت نووية

لقد كان الإجراء الأكثر حزما قبل الاستهداف الإسرائيلي لأصفهان، هو إغلاق إيران منشآتها النووية "لدواع أمنية" يوم توجيهها مسيرات وصواريخ على إسرائيل في 13 أبريل، في خطوة استباقية تكشف مدى الخشية الإيرانية من أن عين إسرائيل لن تغيب عن تلك المنشآت.

وتتركز المنشآت النووية الإيرانية وسط البلد وخصوصا في أصفهان ونطنز وفوردو، فضلا عن مدينة بوشهر الساحلية حيث تقع المحطة النووية الوحيدة في إيران.

والمنشآت النووية في إيران هي مراكز البحث، ومواقع التخصيب، ومفاعلات نووية، ومناجم اليورانيوم.

وتمتلك إيران محطة واحدة نشطة للطاقة النووية بدأت تشغيلها بمساعدة روسيا عام 2011. 

كما تقوم طهران ببناء محطة بقدرة 300 ميغاوات في إقليم خوزستان قرب الحدود الغربية مع العراق.

وتعد أصفهان موطنا لعدد من المنشآت العسكرية المهمة، بما في ذلك المنشآت النووية، وتوجد فيها منشأة “نطنز” أو منشأة “الشهيد مصطفى أحمدي روشن”، العالم النووي الإيراني الذي اغتالته إسرائيل عام 2012، وهي الأهم في إيران لتخصيب اليورانيوم.

وتقوم المنشأة التي بدأ تشييدها عام 1999، بتشغيل ثلاثة مفاعلات بحثية صغيرة زودتها بها الصين، فضلا عن إنتاج الوقود والأنشطة الأخرى للبرنامج النووي المدني الإيراني.

وتحتوي على أكبر عدد لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب، وتستوعب طاقتها تشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي.

ومجمع نطنز النووي يعد أساسيا بالنسبة لبرنامج إيران النووي ويخضع لإجراءات أمنية مشددة.

ومنشأة "فوردو" النووية المحصنة تحت الأرض وسط إيران قرب مدينة قم، تقع على مسافة نحو 180 كيلومترا جنوب طهران، وتعد من أهم مراكز تخصيب اليورانيوم، والتي بقيت لفترة طويلة ضمن مواقع نووية غير مصرح عنها.

وتوقفت نشاطات التخصيب في فوردو بموجب اتفاق 2015. إلا أن إيران أعلنت في يناير 2021 أنها استأنفت ذلك وبدأت بإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة.

أما منشأة كرج لتصنيع أجهزة الطرد المركزي الواقعة إلى الغرب من طهران، فهي تخصص لتصنيع أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.

ويوجد في إيران، مفاعل أراك، وقد باشرت طهران منذ عام 1996 بناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل في مدينة أراك (وسط).

 وقد أعلنت طهران رسميا بدء إنتاجه في 28 أغسطس/ آب 2006 بعد أن كشفت المعارضة النقاب عن هذه المنشأة للمرة الأولى عام 2002.

ومفاعل أراك يثير قلق الغربيين لأنه قد يمكن إيران من إنتاج البلوتونيوم الذي يستخدم لصنع قنبلة ذرية.

أما في إقليم بوشهر غرب إيران، يوجد المفاعل النووي المدني الوحيد في البلاد.

ومفاعل بوشهر هو محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، بدأ معها برنامج إيران النووي عام 1974 بمساعدة ألمانية، لكن بعد ما يسمى "الثورة الإسلامية" عام 1979 تم إلغاء المشروع، ولم يعد العمل به إلا عام 1992 حين وقعت طهران اتفاقا مع روسيا لمعاودة العمل في محطة بوشهر، حيث يوجد مفاعلان للمياه.

وأكمل الروس بناء محطة بوشهر على ساحل الخليج التي تنتج ألف ميغاوات وسلموها رسميا إلى الإيرانيين في سبتمبر/ أيلول 2013. 

وترغب إيران في بناء 20 محطة إضافية، أربع منها في بوشهر.

وبحسب المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، فإن إيران لديها موقع سري للبرنامج النووي الإيراني رمزه "012" ويقع قرب "مباركة" كبرى مدن محافظة تحمل الاسم ذاته وسط البلاد، مشيرة إلى أن هذا الموقع "بني بكل سرية ومخفي في قاعدة عسكرية واسعة".

وفي قاعدة بارتشين العسكرية قرب طهران، تشتبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود منشأة نووية غير مسجلة لديها قد تكون مستخدمة في عمليات محاكاة لانفجارات انشطارية.

وبدءا من فبراير/ شباط 2021، قيدت إيران عمل المفتشين التابعين لمنظمة الطاقة الذرية الدولية، على خلفية استمرار العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ انسحاب واشنطن الأحادي عام 2018، من الاتفاق بشأن البرنامج النووي.

وبموجب هذا التقييد، تحتفظ إيران بتسجيلات معدات مراقبة وكاميرات موضوعة في منشآت نووية، ولن تسلمها إلى الوكالة سوى في حال رفع العقوبات الأميركية، وفق تصريحات مسؤوليها.

تحصينات واستخبارات

نجحت إسرائيل في السابق في استهداف منشآت نووية إيرانية أو التخطيط لضربها، فيما أفشلت طهران "المخططات العدائية" ضد تلك المنشآت قبيل وقوعها.

واتهمت إيران إسرائيل بالضلوع في عمليات تخريب منشآتها النووية، بينها منشأة في كرج غرب طهران لتصنيع أجهزة الطرد المركزي في يونيو/ حزيران 2021، ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم وسط البلاد في أبريل من العام ذاته.

كما أن إيران أعلنت إحباط أجهزتها الأمنية منتصف مارس/ آذار 2022 محاولة لتخريب منشأة فوردو النووية المحصنة داخل الجبال وسط البلاد، بعد توقيف "شبكة" على صلة بإسرائيل كانت تخطط لذلك، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".

وتؤكد أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أن إيران أقامت العديد من المنشآت النووية المحصنة بشكل محكم جدا في باطن الأرض وفي مناطق متباعدة وبشكل مضلل، مما يجعل من المستحيل على سلاح الجو الإسرائيلي أو الأميركي ضرب جميع هذه المنشآت.

وهذه المنشآت محاطة بدفاعات جوية قوية تتألف من مضادات للطائرات وبطاريات صواريخ أرض/جو مضادة للطائرات أيضا، كما تخضع لحماية مشددة من الحرس الثوري الإيراني.

وأنشأ الحرس الثوري الإيراني وجهاز الاستخبارات التابع له جهازا حمل اسم "قيادة نووية" مهمته حماية المنشآت النووية في البلاد، وملاحقة المراقبين لها أو المخططين لأي تحرك قد يقود إلى ضربها.

وبقي هذا الجهاز سريا، قبل أن يكشف الحرس الثوري للمرة الأولى عن هذه القيادة المختصة بأمن البرنامج النووي في إيران، وتحديدا منتصف مارس 2022 عند توقيف "شبكة على صلة بإسرائيل" قالت وكالة "إرنا" إنها حاولت تخريب منشأة "فوردو".

وبحسب "إرنا " فإن حماية المنشآت النووية قد تم تفويضه للحرس الثوري، واستخدمت آنذاك عبارة "قيادة الحرس الثوري النووي"، مما يدلل على رصد طهران إمكانات عسكرية هائلة لحماية تلك المنشآت بالذات.

كما أن رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني العميد غلام رضا جلالي كشف عن وجود "وحدة قيادة دفاعية أمنية" تأسست منتصف العام 2021 "في أعقاب أعمال تخريب" طالت منشآت نووية.

وأكد جلالي يومها أن هذه القيادة الموحدة ستتيح "معالجة نقاط الضعف السابقة تماما وستصبح مجموعة المنشآت النووية محصنة أمام عمليات التخريب".

وبحسب وكالة "أسوشيتد برس" فإن المنشآت النووية تتمتع بحماية بطاريات مضادة للطائرات وسياج وحرس ثوري إيراني شبه عسكري.

النقطة الأبرز في عملية الحماية التي توفرها إيران للمنشآت النووية، هو أن جميعها ولا سيما الثلاثة المعروفة نطنز وفوردو للتخصيب، ومفاعل أراك للمياه الثقيلة، تتموضع قرب قواعد عسكرية؛ لحمايتها من أي هجوم جوي.

ويؤكد الخبراء أن تلك القواعد مزودة بأنظمة دفاع جوي، مما يوكل لها مهمة مزدوجة في الحماية عالية الدقة للمنشآت النووية.

وتمتلك إيران منظومة صواريخ "باور-373″، وهي محلية الصنع لديها القدرة على رصد الأهداف على بعد أكثر من 400 كيلومتر.

كما لديها منظومة "إس-300″، سوفيتية الصنع، تتوفر على رادارات قادرة على رصد الأهداف حتى مدى 350 كيلومترا، في حين تعترض الصواريخ إلى مدى يصل إلى 200 كيلومتر.

وكذلك منظومة "أرمان"، ويمكنها اعتراض الصواريخ على مدى تقديري يصل بين 120 و180 كيلومترا.

إضافة إلى امتلاك إيران أنظمة الدفاع الجوي للمدى المتوسط، وقصير المدى والتي تستخدم وفق الخبراء جميعها في اعتراض الهجمات.

ولا بد من الإشارة إلى أن إيران "قطعت 99 بالمئة من الطريق" ببلوغ نسبة تخصيب بـ60 بالمئة، في رأي الخبراء.

ومن شأن التخصيب بنسبة 60 بالمئة أن يجعل إيران قادرة على الانتقال بسرعة إلى نسبة 90 بالمئة وأكثر، وهي المعدلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية.

لكن حتى إذا تمكنت من جمع ما يكفي من المواد لصنع قنبلة "سيتعين على طهران تحويلها وتجميعها مع متفجرات ومكونات أخرى" كما يقول إريك بروير أخصائي الانتشار النووي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.

وبعد ذلك، ثمة مراحل إضافية ضرورية "لتكييف السلاح على صاروخ وتشغيله بشكل صحيح". 

ويشتبه في أن إيران تسعى إلى امتلاك السلاح الذري تحت غطاء برنامجها النووي المدني.