بعد خذلان غزة.. هكذا أسهم الأردن في حماية إسرائيل من صواريخ إيران

حسن عبود | منذ ١٧ يومًا

12

طباعة

مشاركة

فجأة وبدون مقدمات، أقحم الأردن نفسه في قلب معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، وذلك بعد أكثر من 6 أشهر على حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، 

وتدخلت عمان إلى جانب تل أبيب في صد الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل، لتجد نفسها محط انتقاد عربي كبير على منصات التواصل الاجتماعي.

في المقابل، احتفت إسرائيل ووسائل إعلامها بـ"التعاون والتنسيق والشراكة الإستراتيجية" مع الأردن وسط العدوان الذي يشنه الاحتلال على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ماذا جرى؟

مساء 13 أبريل/نيسان 2024، أطلقت إيران نحو 350 صاروخا وطائرة مسيّرة تجاه إسرائيل، وزعمت تل أبيب أنها اعترضت 99 بالمئة منها، فيما قالت طهران إن نصف الصواريخ أصابت أهدافا إسرائيلية بـ"نجاح".

وهذا أول هجوم تشنه إيران من أراضيها على إسرائيل، وليس عبر حلفائها، وجاء ردا على هجوم صاروخي استهدف القسم القنصلي في السفارة الإيرانية بدمشق مطلع أبريل.

وحسب طهران، فإن إسرائيل هي التي شنت الهجوم الصاروخي؛ ما أسفر عن مقتل 7 من عناصر “الحرس الثوري” الإيراني، بينهم الجنرال البارز محمد رضا زاهدي.

ولم تعترف تل أبيب أو تنف رسميا مسؤوليتها عن هجوم دمشق، لكن بين كل من إيران وإسرائيل عقود من العداء والاتهامات المتبادَلة.

وبعد شن الهجوم الإيراني، تجند الأردن لصد الصواريخ والمسيرات. 

وذكرت عمان، في اليوم التالي أنها اعترضت "أجساما طائرة" خرقت أجواءها، متعهّدة بالتصدي لأي تهديد "من أي جهة كانت".

وبعد جلسة لمجلس الوزراء، في 14 أبريل، قالت الحكومة: "جرى التعامل مع بعض الأجسام الطائرة التي دخلت إلى أجوائنا والتصدي لها للحيلولة دون تعريضها لسلامة مواطنينا والمناطق السكنية والمأهولة للخطر".

وأشارت إلى أن “شظايا سقطت في أماكن متعددة خلال ذلك دون إلحاق أية أضرار أو أي إصابات بين المواطنين".

وأظهر شريط فيديو لوكالة الأنباء الفرنسية اعتراض أجسام في أجواء المملكة خلال الليل، بينما سقطت بقايا صاروخ واحد على الأقل في منطقة مرج الحمام بالعاصمة الأردنية.

كما تناقل مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر حطام صاروخ آخر في منطقة الحسا بمحافظة الطفيلة جنوب المملكة.

وقال الأردن في وقت سابق إنه أغلق مجاله الجوي بدءا من مساء يوم الهجوم أمام جميع الطائرات القادمة والمغادرة والعابرة.

وبعد هذا التصدي، دخل كل من الأردن وإيران في اشتباك دبلوماسي واتهامات متبادلة نادرة من نوعها.

واستدعت وزارة الخارجية الأردنية، في اليوم التالي للهجوم، السفير الإيراني في عمان وطلبت من بلاده الكف عن "التشكيك" في مواقف الأردن من القضية الفلسطينية.

وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي في مقابلة مع قناة "المملكة" الرسمية إن "الوزارة استدعت السفير الإيراني وأرسلت له رسالة واضحة بضرورة أن تتوقف هذه الإساءات للأردن".

وأضاف: "للأسف كان هناك تصريحات مسيئة للأردن من قبل وسائل الإعلام الإيرانية بما فيها وكالة الأنباء الرسمية".

وأوضح الصفدي أن "مشكلة إيران مع إسرائيل وليست مع الأردن، ولا إيران ولا غيرها تستطيع المزايدة على ما يفعله الأردن وما يقدمه وما قدّمه تاريخيا من أجل فلسطين".

وبرر مشاركة بلاده في التصدي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية، قائلا: "سياستنا ثابتة بأن كل ما يشكّل خطرا على الأردن نتصدى له، لأن أولويتنا حماية المملكة، وحماية أرواح الأردنيين وحماية مقدراتهم وحماية أمن البلد واستقراره".

وقبل استدعاء السفير الإيراني، نقلت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية شبه الرسمية عن مصدر وصفته بـ"المطلع" دون تسميته، أن القوات المسلحة الإيرانية ترصد بدقة تحركات الأردن خلال الهجوم على إسرائيل.

وأضاف المصدر أنه "في حال شارك الأردن في أعمال محتملة (لصد الهجوم) فسيكون حينذاك الهدف التالي".

وتابعت الوكالة، نقلا عن المصدر ذاته: "جرى قبل العمليات توجيه التحذيرات اللازمة إلى الأردن ودول المنطقة".

احتفاء إسرائيلي

وبعد مشاركتها في صد الهجوم الإيراني، احتفت وسائل إعلام عبرية بالأردن وأشادت بأدواره، وأكدت أن العدوان على غزة لم يؤثر على العلاقة القوية بين الجانبين.

وتوقعت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية في 15 أبريل أن تمدد إسرائيل اتفاقية إمداد الأردن بالماء لمدة عام إضافي، "بعد استنفار عمان لاعتراض الهجوم الإيراني بطائرات دون طيار".

وقالت الصحيفة: “كانت إسرائيل مترددة للغاية بشأن هذه القضية في ضوء التصريحات التحريضية من قبل مسؤولين أردنيين كبار فيما يتعلق بالحرب في غزة، لكن التعاون بشأن طهران قلب الموازين”.

وأكدت أنه “على خلفية التقارير التي تفيد بأن الأردن كان جزءا مهما من التحالف الدولي الذي بادرت إليه الولايات المتحدة لاعتراض الهجوم الإيراني ضد إسرائيل – علمنا أنه من المتوقع أن يستجيب وزير الطاقة إيلي كوهين لطلب الأردن ويمدد الاتفاقية”.

وبحسب التقارير، لعب الأردن دورا كبيرا في اعتراض المسيرات الإيرانية، بل وسمح للطائرات الأميركية بالعمل في أراضي المملكة لاعتراض الهجوم الإيراني. 

ويبدو أن هذه التعبئة الأردنية قلبت الموازين للامتثال لطلب المملكة بتمديد اتفاقية المياه، وفق يديعوت أحرونوت.

وفي تقرير آخر لنفس الصحيفة، قالت إن “طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ومعدات إلكترونية متطورة نصبت كمينا للطائرات بدون طيار الإيرانية في سماء الأردن”.

وأكد عدد من وسائل الإعلام العبرية أن الأردن سمح لإسرائيل وأميركا على حد سواء بالعمل في أجوائه لصد الهجوم الإيراني.

وذكرت "يديعوت أحرونوت" أن “المعلومات المحدودة تؤكد أن معظم الهجمات لم تحدث داخل إسرائيل”.

وبينت أنه “ليس هناك جدل في أن موقف الأردن الواضح إلى جانب إسرائيل ضد إيران سيعد مفاجأة كبيرة في أي قاموس دبلوماسي”.

بدورها، قالت القناة 12 العبرية إن “الإمارات والسعودية والأردن لعبوا دورا أساسيا في أكبر عملية دفاع جوي في التاريخ، لإحباط الهجوم الإيراني على إسرائيل”.

وأضافت القناة أن “الأردن يدافع عن إسرائيل ويورط نفسه مع إيران، هذه خطوة مفاجئة. ظاهريا العلاقات باردة لكن الهجوم الإيراني كشف التحالف الحقيقي”.

فيما أرجعت صحيفة “هآرتس” العبرية انتهاء الهجوم الإيراني المكثف على إسرائيل بأقل قدر من الأضرار، إلى "القدرات العملياتية المذهلة التي أظهرها سلاح الجو الإسرائيلي بالتعاون مع الولايات المتحدة والدول الصديقة الأخرى في الشرق الأوسط وأوروبا".

وتابعت خلال تقرير لها في 14 أبريل: "نجحت إسرائيل بنسبة 99 بالمئة في اعتراض الذخيرة وجزء كبير من التهديدات خارج الأراضي الإسرائيلية، في سماء الأردن والعراق حيث نفذت الولايات المتحدة معظم العمليات".

كما تحدثت عن خطة إنشاء مظلة دفاعية إقليمية ضد الطائرات بدون طيار والصواريخ بالتعاون مع دول أوروبية والعديد من الدول السنية في المنطقة (دون أن تذكرها)، بالتعاون الوثيق بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وإسرائيل.

وضع حرج

ومنذ بداية العدوان على غزة، وجد الأردن نفسه في موقف لا يحسد عليه بسبب عدم اتخاذه خطوات فعلية تجاه العلاقات مع إسرائيل.

وأكثر من ذلك، قمعت السلطات الأردنية التظاهرات التي تطالب بإنهاء التطبيع ووقف جسر بري يصل دول الخليج بإسرائيل ويمر عبر الأردن وتزود تل أبيب من خلاله بالبضائع.

والأردن مجاور لسوريا والعراق، وكلاهما تنشط فيه جماعات مسلحة متحالفة مع إيران، كما يقع بجوار إسرائيل والضفة الغربية المحتلة.

ودائما ما تؤكد المملكة أنها تتابع بقلق متزايد “الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة” بهدف القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تتلقى دعما من إيران، خشية أن تجد نفسها في مرمى النيران المتبادلة.

وأواخر العام 2023، طلب الأردن من الولايات المتحدة نشر منظومة الدفاع الجوي "باتريوت" لديه لتعزيز دفاعاته الحدودية، وسط أحاديث عن محاولات إيران لتوسيع أنشطتها العسكرية نحو المملكة.

ويقول مسؤولون إن وزارة الدفاع الأميركية زادت منذ ذلك الحين مساعداتها العسكرية للمملكة، وهي حليف إقليمي رئيس لواشنطن، ويتمركز فيها مئات من الجنود الأميركيين ويجرون تدريبات مكثفة مع الجيش الأردني على مدار العام، وفق وكالة “رويترز” البريطانية.

وقُتل ثلاثة عسكريين أميركيين وأصيب العشرات في هجوم بطائرة مسيرة شنه مسلحون متحالفون مع إيران في يناير/كانون الثاني 2024 على القوات الأميركية في شمال شرق الأردن قرب الحدود السورية.

وكانت هذه أول ضربة تستهدف القوات الأميركية يسقط فيها قتلى منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023، ومثلت تصعيدا كبيرا في التوتر الذي يجتاح الشرق الأوسط.

لكن ناشطين يقولون إن الأردن تجاوز مسألة الدفاع عن أراضيه من خطر النفوذ الإيراني واتجه للدفاع عن إسرائيل التي تواصل عدوانا وحشيا على غزة.

وقال الناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية: “مرةً أخرى يرتكب النظام في الأردن خطأ إستراتيجيا للأسف بعد 7 أكتوبر".

وشدد على أن "الأردن أخطأ حين فتح الطريق البري ليكون شريان حياة للصهاينة المجرمين بعد إغلاق طريق باب المندب، وأخطأ حين قمع التظاهرات الداعمة لفلسطين واعتقل الشباب، وأخطأ حين فتح مجاله الجوي للطيران الحربي الصهيوني كما أخطأ حين حرك دفاعاته الجوية لإسقاط صواريخ ومسيرات ليست موجهة نحوه”.

وتساءل أبو سلمية عبر تغريدة نشرها في 14 أبريل على منصة إكس: "هل يعقل أن يقدم النظام كل هذه الخدمات الأمنية والاقتصادية لمن يتربص به! ويعلن العداء تجاهه بشكل واضح وصريح!، وحجته في ذلك أن (عين إيران على الأردن)".

ووصف ناشطون العاهل الأردني عبد الله الثاني بـ"ملك حماية إسرائيل" و"ملك القبة الحديدية" و"القبة الحديدية الحقيقية"، وغيرها من الألقاب.

فيما تساءل الباحث علي رزق: “السؤال المهم والمهم جدا: لو كانت صواريخ إسرائيلية انطلقت من تل أبيب نحو أحد الأهداف ومرت في الأجواء العربية، هل ستتصدى لها دفاعاتنا الجوية كما فعلت اليوم مع المسيّرات الإيرانية المتجهة نحو الاحتلال…؟”.