التيار الصدري يتحول إلى “الوطني الشيعي”.. ما علاقته بانتخابات 2025؟

يوسف العلي | منذ ١٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

أثار قرار رجل الدين الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، تغيير اسم تياره الصدري الذي يتزعمه إلى "التيار الوطني الشيعي"، العديد من التساؤلات بخصوص الهدف من وراء هذه الخطوة التي تأتي في وقت لا يزال يعتزل فيه الأخير العمل السياسي، بعد إخفاقه في تشكيل الحكومة قبل نحو سنتين.

ففي 10 أبريل/ نيسان 2024، نشرت منصات مقربة من الصدر، وثيقة تحمل توقيع الأخير تضمنت قرار استبعاد أحد القيادات في التيار الصدري، لعدم التزامه بأخلاقيات العمل، وقال إنه "مطرود من جميع مفاصل (التيار الوطني الشيعي)".

وتعد هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مقتدى الصدر هذه التسمية لوصف "التيار الصدري"، لكن في وقت لاحق من اليوم نفسه نشرت منصات تابعة للصدر صورة تحمل توقيعه مع الاسم الجديد.

مشروع مطروح

ما أقدم عليه الصدر حاليا، سبق أن طرحه زعيم تيار "الحكمة الوطني" في العراق، رجل الدين الشيعي عمار الحكيم، كمشروع بعنوان له "الوطنية الشيعية" في فبراير/ شباط 2023، وكان من أبرز ما تضمنه رفض مبدأ "ولاية الفقيه" الذي تحكم به إيران.

وفي الوقت الذي لم يقدّم فيه الصدر تفاصيل عن مشروعه الجديد، فإن عضو التيار الصدري، عصام حسين، أوضح أن "الفرق بين الصدر عندما يطرح المفاهيم وبين الآخرين الذين طرحوا مفاهيم مشابهة، مثل الوطنية الشيعية للحكيم، يمكن في الثقل الكبير الذي يتمتع به الأول قياسا بالأخير جماهيريا ووطنيا وإقليميا ودوليا".

وأضاف حسين خلال تدوينة على منصة "إكس" في 11 أبريل، أنه "لا يمكن المقارنة لا من قريب ولا من بعيد بين المشروعين وتأثيرهما وبين أصحاب المشاريع بالاعتماد على حدية المفردات، من خلال الجدية في طرح المشروع والاستجابة ومقدار الإنجاز".

وتابع: "أضف إلى ذلك الإخلاص للمفهوم الذي يشكل نواة المشروع، مثل حكومة الأغلبية الوطنية (سبق أن طالب الصدر بتشكيلها) من حيث مصداق الإخلاص والتأكيد على الهوية الوطنية الشيعية التي هي حاليا مختطفة بسبب المصالح الذاتية لأحزاب السلطة".

من جهته، قال عضو تيار الحكمة السابق، صلاح العرباوي إن "الوطنية الشيعية عن الحكيم هي رؤية سياسية تعني التمرد الناعم على المشروع الإيراني الداعي إلى إلغاء الحدود التي فيها أقلية أو أغلبية شيعية ومحاولة دمج الشيعة في مشروع واحد وقيادة وأيديولوجية واحدة".

وأردف: "بينما الوطنية الشيعية لدى الصدر هي رؤية سياسية اجتماعية تعني التصدي للانحراف السياسي الشيعي ومحاولة تصحيح المسار وإيجاد البديل، وترتكز على ثلاثية (الوطن، الدين، الشعب)".

وخلص العرباوي إلى أن "الفكرة لدى الطرفين (الصدر والحكيم) تزيد التقسيم في المقسّم عقائديا واجتماعيا وسياسيا لتضيف تقسيما جديدا (شيعي وطني، وشيعي تبعي)".

وتضمن مشروع "الوطنية الشيعة"، الذي طرحه الحكيم، وهو أحد أبرز قيادات قوى الإطار التنسيقي، إعطاء الشيعة في كل بلد خصوصيته، وضرورة الانتماء للبلد الذي يعيشون فيه، وألا يكون الانتماء للتشيع عابرا للحدود، وذلك من خلال توحيد الشيعة من مختلف التوجهات الفكرية داخل البلد الواحد.

وأشار زعيم تيار الحكمة إلى أنه "لا يمكن أن يكون شيعيا عراقيًا وفي ذات الوقت ينتمي لوطن آخر بسمات وخصائص مختلفة أو يطبق قوانين دولة أخرى أو يستورد ثقافة مختلفة لمجتمعه خلافا لرغبتهم".

وأوضح أن "وطنية الشيعة حقيقية، وانتماءهم واقعي للوطن والمجتمع والدولة، وليس كما يذهب إليه البعض بأن المواطنة لا مكان لها في الفكر الديني، أو أن المواطنة مجرد ستار يتستر به الشيعي ليحصل على مكاسب وحقوق من دون أن تملى عليه واجبات والتزامات".

ودائما ما يتهم الشيعة في العراق ودول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، وربما حتى العالم بشكل عام بالتبعية السياسية والدينية لإيران، وتقديم مصالح الأخيرة على مصالح البلدان التي يعيشون فيها، خصوصا أنهم يشكلون أقليات دينية في معظم البلدان.

وبناء على ذلك، يرى مراقبون أن محاولة القوى الشيعية ذكر مصطلح "الوطنية" يعود إلى الاتهامات بالولاء إلى إيران التي تطارد الشيعة دائما، ووصفهم بأنهم ليسوا بوطنيين، رغم أن الجمع بين مصطلحي "الشيعية" و"الوطنية" يعد تناقضا واضحا في أساس الفكرة.

استقطاب سياسي

وبخصوص الهدف من خطوة الصدر، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي إن "التسمية الجديدة تفتح أفقا واسعا لاستقطاب أطراف من المكون الشيعي قد لا تعد نفسها جزءا من التيار الصدري مع اعترافها بمكانة المرجعين الدينيين للصدريين (والد مقتدى وعمه)". 

وأوضح المهداوي في حديث لـ"الاستقلال" أن "انقسام الشيعة الآخرين إلى تيارات عدة مدنية ودينية، تعطي فرصة لكسبهم إلى هذا التيار الجديد (الوطني الشيعي) حتى لو لم يكونوا من أتباع الصدر". 

ورأى الباحث أن "التسمية الشيعية الصارخة ستعزز الانحياز للطائفية، بينما كان بإمكان الصدر أن يكون قائدا لتيار وطني يتجاوز الحالة الطائفية وتؤمّن له الأغلبية البرلمانية المطلقة التي سعى إلى تحقيقها في الانتخابات البرلمانية السابقة وتسهل عليه جمع قوى صغيرة متناثرة".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي، إن "تغيير اسم التيار الصدري إلى التيار الوطني الشيعي ليس جديدا بل إنه مطروح سابقا لدى قوى الإطار التنسيقي الشيعي، لكن هذه التسمية تعدّ إضافة جديدة وتمددا جديدا ورؤية جديدة".

وتوقع الدعمي خلال مقابلة تلفزيونية في 12 أبريل، أن "يمتد التيار الوطني الشيعي، ليضم عددا من الكتل السياسية السنية، والكردية للسير نحو بناء رؤية سياسية عراقية خالصة مستقلة لا تتأثر بقرارات خارجية وتعمل على مصلحة البلد فقط".

وفي هذه النقطة تحديدا، نقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 13 أبريل، عن قيادي وصفته بـ"البارز" في التيار الصدري (لم تكشف هويته) قوله إن "أطرافا شيعية مختلفة خارج الإطار التنسيقي تحركت نحو زعيم التيار مقتدى الصدر من أجل الدخول ضمن التيار الوطني الشيعي".

وأضاف أن "هذه القوى السياسية والشعبية من خارج الإطار التنسيقي أجرت اتصالات وكذلك لقاءات غير معلنة في العاصمة بغداد من شخصيات قيادية صدرية بهدف الدخول ضمن التيار الوطني الشيعي، الذي أعلن عنه الصدر أخيرا".

وبين القيادي الصدري، أن "نوابا مستقلين من المكون الشيعي أيضا أبلغوا قيادات صدرية، بالرغبة في الانضمام إلى الوطني الشيعي، ولذلك سيكون هذا التيار هو الأوسع سياسيا وشعبيا للمكون الشيعي، وسيكون جبهة لمواجهة أغلبية الإطار التنسيقي الشيعي خلال المرحلة المقبلة".

ترتيب الأوراق

وفي ما إذا كانت خطوة الصدر تمهيدا للعودة إلى العملية السياسية، قال الكاتب العراقي، محمد حنون، إن ما أقدم عليه زعيم التيار الصدري هو فرصة للتغيير وإعادة ترتيب الأوراق قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يُنتظر إجراؤها في عام 2025.

ورأى حنون خلال مقال نشرته وكالة "موازين" العراقية في 13 أبريل، أن " الإعلان عن التيار الوطني الشيعي خلط جميع أوراق اللعبة وأصبح تفكير الكتل على اختلاف مكوناتها بضرورة التحالف مع هذا التيار يشكل أولوية في برامج مهمة خاصة".

 ولفت إلى أنه "مثلما للتيار الوطني الشيعي الجديد الحق في التوسع مع تحالفات وطنية جديدة وتجاوز لحدود شعاره الجديد الذي يعتقده البعض مذهبيا أكثر مما هو وطنيا، فمن المهم البحث في فشل الآخرين من القوى السياسية القديمة والناشئة، وتجاوز الكثير من أسباب الفشل والفساد".

وعلى الصعيد ذاته، رأى المحلل السياسي العراقي محمد علي الحكيم، أن تغيير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تسمية تياره الى "التيار الوطني الشيعي" تؤكد عودته القريبة إلى المشهد السياسي.

ونقلت وكالة "بغداد اليوم" عن الحكيم في 11 أبريل، قوله إن "جميع تحركات الصدر الأخيرة تؤكد وجود نية لعودته للمشهد السياسي وبقوة والمشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة وتغيير اسم تياره ضمن هذا التحرك".

وأعرب الحكيم عن اعتقاده بأن "الصدر بهذه التسمية يريد بناء قاعدة شعبية وحتى سياسية شيعية لا تعتمد على الصدريين، وأن المرحلة سوف تشهد تحركات للصدر مختلفة تمهد لعودة تياره للساحة السياسية وغير مستبعد ضغطهم للذهاب نحو انتخابات مبكرة".

وفي 12 يونيو/ حزيران 2022، أمر الصدر كتلة التيار الصدري في البرلمان (73) بالاستقالة، والانسحاب من العملية السياسية في البلاد وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بعد عدم تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية سياسية.

وبعد انسحاب الصدريين، تمكن غريمهم السياسي التقليدي المتمثل بقوى "الإطار التنسيقي" الذي يضم جميع القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري من تشكيل الحكومة بالاتفاق مع الكتل الكردية والسنية، في أكتوبر 2022، برئاسة محمد شياع السوداني.