رغم “تطور” بنيتها التحتية.. كيف فشلت الإمارات بمواجهة العاصفة المطرية؟

داود علي | منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

رغم “تقدم” بنيتها التحتية، عجزت دولة الإمارات عن مواجهة عاصفة مطرية، مخلفة صورة قبيحة للبلد الذي تم الاستثمار في تحسين صورته الإنشائية مليارات الدولارات.

وضربت هذه العاصفة منذ منتصف أبريل/ نيسان 2024 ولعدة أيام عددا من دول الخليج تأثرت بها بقوة الإمارات وسلطنة عمان.

وقدر أن ذلك اليوم العصيب على الإمارات عادل هطول أكثر من أمطار عامين، إذ بلغ منسوبه 254 مليمترا.

وكان هذا أعلى معدل منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1949، قبل تأسيس الدولة عام 1971.

وقد أضر بسائر الإمارات، وبـ "دبي" خاصة، تلك المدينة التي تعتبر مركز المال والنقل العالمي في البلاد. 

ومع رؤية العاصفة وتوابعها على الإمارات، تذكر بعض أهل الخليج روايات الأجداد حول الكارثة التي وقعت في بداية أكتوبر/ تشرين الأول 1925، المعروفة تاريخيا بـ "سنة الطبعة". 

وهي عاصفة مدمرة قتلت 8 آلاف مواطن خليجي في يوم واحد، ووصفها بعض من عايشها من كبار السن بـ "الحدث المدمر"، الذي ضرب منطقة الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين وقطر.

اليوم عاد الحديث والبحث في "سنة الطبعة" والتحديات المناخية التي تواجه الخليج، وفوق ذلك التشكيك في قدرة الإمارات وحداثتها وقوة بنيتها التحتية التي كانت تروج لها، لكنها تهاوت أمام عواصف السماء. 

قنابل المطر 

وفي 18 أبريل 2024، نشر موقع "أكسيوس" الأميركي تقريرا عن الفيضانات التي قال إنها أصابت دبي بالشلل التام.

وذكر أن العاصفة أظهرت مدى عدم كفاءة البنية التحتية الحالية في الإمارات، وعدم قدرتها على تحمل الظواهر الجوية المتطرفة التي أصبحت أكثر شيوعا وشدة بسبب التغيرات المناخية.

وأضاف: "لم تتحمل الإمارات قنابل المطر نظرا لكمياتها الكبيرة للغاية في مثل هذه الفترات القصيرة من الزمن، لدرجة أن المياه غمرت دبي مما أدى إلى إغلاق مركز المطار المزدحم".

وأكمل: "من شأن هذه الكمية الهائلة من الأمطار في يوم واحد أن تسبّب مشاكل حتى في المواقع الأكثر اعتدالا، ناهيك عن دبي، وهي مدينة صحراوية تعاني من سوء الصرف المائي".

ومن مشاهد الكارثة الرائجة تحول السيارات بما فيها المركبات الفاخرة التي تشتهر بها دبي إلى قوارب.

وشوهدت الطائرات في مطار دبي الدولي على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تستخدم قوة محركاتها وتشق طريقها في المياه المرتفعة.

وتم رفع حالة الطوارئ الجوية إلى الدرجة القصوى في المدينة الإماراتية الأكثر أهمية، مع إغلاق المدارس ونصح الناس بالبقاء في منازلهم على الرغم من السماء المشمسة.

وأدى هذا إلى تكبد دبي- المعروفة بالتسوق الراقي والمعيشة الفاخرة- عشرات الملايين من الدولارات من الأضرار، وفق تقديرات غير رسمية.

وحتى الآن تستمر حكومة أبوظبي في حصر الأضرار، ولم يتم الإعلان النهائي عن حجم الخسائر رسميا.

وقد جرى الإبلاغ عن مقتل ما لا يقل عن 19 شخصا بسبب الفيضانات في عُمان من نفس الطقس و4 آخرين على الأقل في الإمارات.

تلقيح السحب 

وفي 17 أبريل 2024، أوردت وكالة "رويترز" البريطانية، أن السبب المباشر للفيضانات هو منطقة الضغط المنخفض القوية والبطيئة الحركة، أو الجيب الهوائي البارد عاليا، مما أثار مجمعات من العواصف الرعدية الشديدة فوق الإمارات والدول المجاورة.

وأتبعت أن نماذج الطقس أظهرت قدوم نظام العاصفة هذا، إلى جانب التهديد بهطول أمطار غزيرة، قبل عدة أيام من اندلاعها.

وذكرت الوكالة البريطانية أن استخدام دبي المتكرر لتلقيح السحب (تقنية تعزز من تساقط الأمطار في المناطق الصحراوية)، يمكن أن يؤدي لتعزيز هطول الأمطار بهذا الشكل.

وهو ما أدى إلى انتشار تساؤل على ألسنة الكثيرين عما إذا كان هذا فيضانا من صنع الإنسان، ونتاج عبثه المتكرر في الطبيعة.  

وعقبت أنه من غير المعروف أن تلقيح السحب يمكن أن ينتج مثل هذه العواصف الرعدية الشديدة واسعة النطاق وطويلة الأمد والتي تؤثر على بلدان متعددة.

واستدركت: “لكن يمكن أن يؤدي ذلك، في بعض الحالات، إلى هطول أمطار غزيرة إلى حد ما عما قد يحدث بطريقة طبيعية أخرى”.

البذر السحابي

وأشارت تقارير، نشر أحدها على موقع "سي إن بي سي" الأميركي، أن الإمارات لم تنفذ عمليات البذر السحابي في 16 أبريل.

كما أن توقعات نماذج الطقس أظهرت هطول أمطار غزيرة دون دمج البذر السحابي في حساباتها.

والبذر السحابي هو تقنية متقدمة تسهم في تخفيف حدة العواصف المطيرة.

فمثلا خلال الأعوام 2013 و2020، شهدت إندونيسيا فيضانات غير مسبوقة، واجهتها الحكومة بـ "البذر السحابي" لإجبار السحب على تفريغ حمولتها من المياه في المحيط، قبل أن تسقط في العاصمة "جاكرتا" وتزيد من معاناتها مع الفيضانات، وهو ما لم تفعله الإمارات.

وأتبع الموقع الأميركي أن دراسات علوم المناخ والملاحظات حول العالم أظهرت أن أحداث هطول الأمطار الغزيرة مثل التي جرت في الإمارات، بما في ذلك تلك التي حطمت الأرقام القياسية على الإطلاق، أصبحت أكثر شيوعا وشدة مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

وقال: "إن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ الذي تسببه أنشطة البشر يؤدي إلى المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة حول العالم، مثل العاصفة التي اجتاحت الإمارات وسلطنة عمان".

ويتوقع الباحثون أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة وخطر الفيضانات في مناطق بالخليج. 

واختتم الموقع بالقول إنه يمكن أن تكون المشكلة أسوأ في دول مثل الإمارات التي تفتقر إلى البنية التحتية المثالية للصرف للتعامل مع الأمطار الغزيرة.

القادم أسوأ 

وعلق عصام حجي، عالم الفضاء بوكالة ناسا الأميركية، المتخصص في علوم الأرض والكواكب: "قد يبدو الأمر غريبا، ولكن علميا، السبب الأول للوفيات في الصحراء ليس العطش وإنما الغرق".

وأضاف عبر حسابه بموقع "إكس" معلقا على العاصفة الأخيرة: "سيول اليوم في الإمارات وعمان تذكرنا بهذه الحقيقة وأن هذه المخاطر ستتزايد في العقود المقبلة بينما يتناقص عزمنا على دراستها".

وذكر: “بحثنا المنشور اليوم يشرح العوامل المناخية والنفسية التي تؤدي لزيادة حجم هذه الأضرار في الصحراء، وأهمها هو قلة الأبحاث وإنكار وجود هذه الظواهر في الأساس”.

 ومن هنا رفض التعامل بجدية مع الدراسات (إن وجدت) ومع تعليمات السلامة التي في الأغلب لا تجد مساحة كافية للنشر والتوعية، وفق حجي. 

ثم عقب: "الطبيعة لم ولن تتوقف عن تكرار هذه الظواهر، وعلينا جميعا وعلى أهلنا في دول الخليج إدراك أن كارثة مثل درنة (فيضانات في المدينة الليبية قتلت 6 آلاف إنسان في يوم واحد) قد تحدث مجددا، وعلينا وعليهم الاستعداد، لأن التاريخ قد يعيد نفسه في أي لحظة". 

وبالعموم، يؤكد الخبراء أن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ الذي تسببه أنشطة البشر يؤدي إلى المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة حول العالم، مثل العواصف والفيضانات التي اجتاحت الإمارات وسلطنة عمان، وتسببت في أضرار جسيمة.

ويتوقع العلماء أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة وخطر الفيضانات في مناطق بالخليج ويمكن أن تكون المشكلة أسوأ في دول تفتقر إلى بنية تحتية في الصرف الصحي للتعامل مع الأمطار الغزيرة.